مؤامرة لابلويت ، أو محاولة ضرب الثورة من الداخل

الطيب آيت حمودة 
 من مخططات الإستعمار الفرنسي في القضاء على ثورة الجزائر ، جاء كرد فعل لهزيمة المخابرات الفرنسية في عملية ( الطائر الأزرق ) التي حاولت تفريق الثوار عبر تسريب (حصان طروادة ) بين صفوفهم ، فنجحت قيادات (كريم بلقاسم ) بذكائه في تحويل جنود العملية كلهم المقدر ب 1500 جندي لصالح الثورة بعد مؤتمر الصومام 1956 ، فغنمت الثورة جنودا وسلاحا وذخائر وأموال استخدمت لتحرير البلاد ، هزيمة المخابرات الفرنسية في ( الولاية الثالثة التاريخية) هزت قريحتهم ، فنسجوا في الظلام خطة أخرى للإيقاع بالثورة وجرها إلى قتل نفسها بنفسها عبر عملية ( الزرق) . 

تجارب وتخطيطات لقتل الثورة بيد أبنائها . 
الإستدمار سبُله التفريق بين أهل البلد لتسهيل عملية احتوائهم وابتلاعهم ، فهو تلميذ حاذق فقه حرب الحيل التي صاغها ميكيافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة ) وتفنن في تطبيق وإخراج مقولة ( فرق تسُد) التي خطط لها بإحكام في الإيقاع بين الجزائريين ، فكثيرا ما أشهر بطاقة ألإثنيات ، والتعدد اللساني و الإختلاف المذهبي في رسم معالم صراع وهمي استفاد منه ولو إلى حين . 
زرعُ ( بذور الشك والفرقة بين قادة الثورة) أمر يخدم أجندة الإستدمار ، ولتحقيقه جندت المخابرات الفرنسية إمكاناتها المادية واللوجيستية بقيادة ضابط محنك بتجربة عالية خاضها في مستعمرات فرنسية أخرى كالفيتنام ، هو القبطان (بول ألآن ليجي ) [ capitaine Paul- Alain Léger ] .

طريقة بأسلوب جهنمي خطير لضرب الثورة من الداخل . 

مخابر المخابرات السرية الفرنسية ولَّدت فيروسا استخباراتيا أطلقت عليه اسم :
[ opération KJ-27 ] دوره يتلخصُ في خاتمته تفجير اقتتال داخل الثورة ، أي استخدام مخابراتي واسع النطاق في زرع الفرقة والإختلاف بين الثوار الجزائريين لتصريف مقدراتهم فيما بينهم وليس ضد المستدمر ، ولتفعيل الخطة عمد المستدمر إلى أسلوب عماده :
- رسائلٌ ترسلُ وتعود إلى مرسلها ، سقُوطُها بيد رجالات الثورة يولد شكوكا بوجود انفلات أمني وتسريب مخابراتي لصالح الإستدمار الفرنسي .
- نشر الدعاية والأخبار الكاذبة والبروباغندا بين الجزائريين ، تنتشر بسرعة البرق عن طريق الحكي من الفم إلى الأذن ، هدفها توصيل وشايات كاذبة لقيادة الثورة لجرهم إلى مسايرة الخطة والغوص فيها .
- وثائق مزورة أعدتها المخابرات الفرنسية بمساعدة متعاونين خونة ، مختومة وممضاة بأختام الثورة تستعمل في نشر الإتهامات بين الثوار .
عانت الثورة من هذا الفيروس التشكيكي بين عناصرها من 1957 إلى حدود فترة الإستقلال في 1962 .

بداية 
لابلويت من ( معركة الجزائر 1957.)
لفهم خيوط جرثومة المؤامرة يستحسن الرجوع إلى أحداث ( معركة الجزائر)1957 مع شبكة ياسف سعدي ،حيث عمد المظليون إلى حبك مؤامرة (الزرق ) بقيادة (بول ألان ليجي ) وموافقة رئيسه (جودار )،لإفشال معركة الجزائر .
عندما يتم القبض على عضو منتمي لجبهة التحرير، يسجن يستجوب ، يعذب في محاولة الحصول على معلومات .... و يصل الأمر الى[ المساومة والإبتزاز] لتحويل هؤلاء المساجين إلى أضداد للثورة ( تغيير الموقع) تحت طائل التهديد وإلحاق الأذى بعائلاتهم وأرزاقهم في حالة ما لم يستجيبوا ... هؤلاء الأشخاص الذين استجابوا للخطة عن إكراه ألبسوا (بذلا زرقاء) ، ومنها جاء ت تسميتهم بالزرق ( لابلويت ) ، وصل تعدادهم في الجزائر العاصمة إلى 70 شخصا تقريبا مهمتهم تتلخص في الإعلام عن من كانوا يتعاملون معهم من الثوار سابقا ، وتحويل الرأي العام الجزائري لصالح الإستعمار عن طريق البروباغندا ونشر الإشاعة ، وكشف الثوار داخل التجمعات السكانية ، دون نسيان المهم في العملية وهو اختراق هياكل وتنظيمات جبهة التحرير وهو ما أثمر بالقبض على ياسف سعدي وعلي لبوانت و زهرة ظريف ....، حسب فيلم ( معركة الجزائر ). 
هذه العملية التي بدأت أثناء معركة الجزائر جرى تعميمها على بقية الولايات التاريخية وبالأخص ( الولاية الثالثة) التي تجرعت الأمرين من مخاطرها ، فهي مستهدفة أكثر لوجود ثقل ثوري بها وحراك فاعل يهددها ، فلهذا يجب ضربها من الداخل .
بدأ الأمر جديا في خريف 1957 ، عندما أبلغ زوج (حورية) المناضلة في صفوف جبهة التحرير ، بأمر نضالها للكابتن ( ليجي ) بسبب نشوز بينهما ، وأجبرت المرأة حورية تحت الضغط النفسي والبسيكولوجي التعاون مع مصالح( ليجي ) المخابراتية ، وسهلوا لها مهمة التعارف مع سجين آخر يدعى ( حسن غندريش ) رئيس الناحية الثالثة للجزائر العاصمة ، الذي أقنعوه بالعمل لجانب فرنسا ،، وهو الذي وجه حورية للإختباء في داره مع زوجته للمراقبة وكشف المعلومات وبها تم القبض على ناشط ثوري من قبل الجندرمة الفرنسية يوم23 سبتمبر 1957 هو (جمال) وبعد استنطاقه تبين أنه يعرف مكان اختباء (ياسف سعدي) وشلته من الثوار الذين كانوا في حالة فرار ، وبعد حصار القصبة تم القبض على الثائرين بفعل اللعبة المزدوجة التي قام بها (حسن غندريش ) ، وتلك ضربة موجعة للثورة بمساعدة الزرق .

عميروش ، صراع دموي مع 
لابلويت .
نجاح القبطان (ليجي) في معركة الجزائر شجعه على تعميم تجربته المخابراتية في ترويض الثورة ، وكانت نظرته موجهة بالأساس لمنطقة القبائل باعتبارها الحصن المنيع للثورة ، لوجود قائد ثوري أشبعهم نكسات يلقب (ذئب أكفادو ) هو العقيد عميروش ، و لمحو هزيمتهم الشنيعة التي تكبدوها في عملية ( الطائر الأزرق) فلا سبيل لمقارعة هؤلاء الثوار الأشاوس إلا بالحيلة والمكيدة ، بتأليب الجزائريين ضد بعضهم ، وما أصعب الأمور عندما ينتاب الجند الشك ، فمن هو الثوري ؟ ، ومن هو العميل ؟ فأصبح الجميع ينظر بنظرات شك وريب للآخر وإن كانوا في مصير وخندق واحد .
انتقل هاجس التخوين نحو الولاية المجاورة الثالثة أيام حكم الكلونيل عميروش ، كل شيء بدأ عندما أقدم ( ليجي ) على ضبط عملية استخباراتية أسماها (KJ-27) غرضها تصفية العناصر المثقفة المتعلمة على يد ذويهم وأبناء جلدتهم وبالأخص الذين التحقوا بالثورة بعد اضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956 ، إنها فتنة خطط لها الإستعمار ووقع فيها الثوار ....

تنفيذ العملية (KJ-27) المعروفة ( بالزرق) . 

بدأ أمر اختراق الثورة عندما قبضت المخابرات الفرنسية على الشابة المناضلة في صفوف الثورة (طاجير زهرة ) المدعوة ( روزا) في برج منايل ، بتاريخ جانفي 1958 ، بتهمة حياكة العلم الجزائري ، رُوضت الشابة تدريجيا وأظهرت قبولها التعاون مع مخابرات فرنسا ، وعَمد ( القبطان أليجي) إصطحابها معه في سيارته ،والتنزه معها داخل السوق لتوريطها أكثر بعدما تُشاهد رفقته ، ونقلها إلى مسكنه الخاص بالأبيار في أعالي العاصمة ، حيث أعد سيناريو تمثيلي محكم وخطير ، (أعد بمخابراته رسالة كاذبة، تحوي أسماء لثوار متعاونين مع فرنسا من الولاية الثالثة ، موقعة باسم ضابط كبير ومختومة بختم الجبهة ) ، وضعت الرسالة بعناية فوق مكتبه لتُرى جيدا ، تظاهر ( أليجي ) أثناء مناقشته ( لروزا) بأنه يرد على مكالمة هاتفية من رئيسه الأعلى يطالبه بالحضور سريعا .... ، خرج مسرعا من المكتب تاركا وراءه الرسالة فاسحا الفرصة عن قصد (لروزا) إشباع فضولها في معرفة محتواها، التي بها سم في الدسم ، قائمة إسمية لخونة من الولاية الثالثة يتعاونون مع المخابرات الفرنسية موقعة باسم ضابط كبير في الثورة!!! ، حفظت روزا الأسماء في ذاكرتها بعد تمعن ، وفي آخر المقابلة تعهدت روزا بالعودة إلى المكتب مستقبلا لتقديم المعلومات للقبطان حال توفرها .[1]
وكما كان مخططا ومتوقعا ، فقد غادرت ( روزا) العاصمة باتجاه الجبل حيث الثوار لتبليغهم عن فحوى الرسالة التي اطلعت عليها في مكتب ( بول ألآن ليجي) ، عند بلوغها عرين الثوار في جبال جرجرة المنيعة ، قدمُوها لضابط كبير في الجبهة يُدعى ( أحسن محيوز ) معروف بقسوته في استنطاق المشبوهين ، وهو برتبة قبطان ، نائب للكولونيل عميروش ، الذي استجوبها قائلا لها :
• شاهدناك مع ( ليجي) داخل سيارته ؟!.
• أجابت روزا : نعم ..نعم .. قبض علي ، وعَرض علي التعاون معه ، وقبلتُ 
• رد عليها القبطان محيوز : أنت خائنة ...خبيثة ... خدعتنا .
التقطت المتهمة أنفاسها أمام هول ما وقعت فيه وقالت [ بأنها صعدت للجبل لتقديم معلومات مهمة ؟ ] وأردفت قائلة : قبل أن تتهمني بالخيانة يُستحسن أن تنظروا حولكم فإنكم محاطون بالخونة من كل جانب ! وأخبرته بما قرأته في الرسالة التي التقطتها من مكتب القبطان الفرنسي ( أليجي ) ، فابتلع الثوار السم القاتل دون أن يعلموا ، عُذبت ( روزا ) مرارا وتكرارا قصد افتكاك معلومات أخرى ، غير أن الكثير ما قالته كان هوسا لا يعتد به لأنه واقع تحت طائل معاناة التعذيب . 
الأسماء التي سردتها ( روزا) هي لأشخاص غالبيتهم من الجزائر العاصمة ومن المثقفين والأطباء وخريجي الثانوية والجامعة ، وهو ما جعل القبطان ( أحسن محيوز ) يضع المثقفين الذين التحقوا بالثورة حديثا في [خانة الخونة ؟!!!] ، وأمام هول الخبر ، أمر بتصفية روزا ذبحا ، والقبض على المشبوهين الذين سُردت أسماؤهم للتحقيق معهم . 
قضية طاجير زهرة المدعوة (روزا ) أحدثت استنفارا كبيرا في صفوف الثورة ، وزرعت بذور الشك القاتل بين الثوار تماما كما خطط له العدو ، والتهم الثوار الطعم دون أن يعلموا بأنه تدبير مخابراتي بهدف مركزي هو تصفية الثورة بالثورة ، أو الثورة تأكل نفسها بنفسها .
°اقتنع قائد الولاية الثالثة ( عميروش ) بأنه محاط بالخونة من كل جهة ، فأصبحت المهمة مهمتان ، حرب ضد الإستعمار وحرب ضد الخونة ، وتأكد بأن هؤلاء الخونة الذين تسللوا للإنخراط في الجبهة هم من [ المثقفين المتعلمين من الطلبة والمعلمين والأطباء ...] فبادر إلى إعلام قادة الولايات الأخرى بالأمر في صائفة 1958 لأخذ التدابير الوقائية ضد هذا الأخطبوط الذي يهدف إلى أجهاض الثورة من الداخل .
عميروش يُصرح :
"اليوم بفضل الله تعالى فُككنا الشبكة، كنت قد أعتمدت كثيرا على العناصر المثقفة لقيادة الحرب،منحت لهم أفضل المناصب القيادية . إنهم خانونا ،هذا سيكون درسا لنا في المستقبل"

عنف الثورة ... أو عندما تأكل الثورة أبناءها . 
ارتفعت وتيرة الإستنفار في جبهة التحرير ، وشكلت لجنة يترأسها ( أحسن محيوز ) ، وبدأ استنطاق المشبوهين ، وأخطر أسلوب استعمله هذا المجاهد هو ابتكاره لوسيلة تعرف(بالشواية)أو ما اصطلح عليه بالفرنسي supplice de l hélicoptère وهي وسيلة تعذيب محلية من ابتكار القبطان محيوز نفسه ، تستعمل في افتكاك المعلومات من المتهمين ، مفادها أن المتهم يربط بخيط أو سلك من يديه ورجليه خلافا ، ووجهه باتجاه الأرض ، ثم يُعلق بحبل على شجرة ، بحيث يمكن رفعه الى الأعلى وانزاله ( تقريبا وابعادا من كوم الجمر أسفله) ، فالمتهم يقرب ويبعد عن حر الجمر ولهيبه تبعا لمجريات الإستنطاق ، ويمكن زيادة حدة التعذيب برش الجمر بماء بارد ينتج عنه تصاعد دخان حارق يضرب أعضاء المستنطق في أعضائه ،وأجهزة تنفسه ، فيصاب بشلل ، وأغلب من مر على هذه المجمرة مات قبل انزاله ..... 
هذا العنف خلق جوا مرعبا في صفوف الجبهة بذراعيها ، فكم من بريء مات تعذيبا على يد اخوانه في النضال ، فالكل ينتظر لعله سيُتهم بدوره في المسألة زورا من شدة التعذيب ، فالجو المرعب ماثل للعيان ولا يحس به سوى من عايشه أو كابده ، .... وارتفعت أصوات الإستنكار ، فما كان من عميروش سوى أن قال : من كان منهم بريئا فهو شهيدٌ الجنة مثواه ، ومن كان مُذنبا فعلا فقد أخذ جزاء بما يستحق في دنياه قبل آخرته وهو تعبير صادق وصادر عن ايمان قوي من رجل ثوري قوي .


انتقال الفيروس ... إلى ولايات تاريخية أخرى. 
وإن كانت الولاية الثالثة التاريخية ، هي صاحبة اكتشاف الداء وأكثرها جرأة في فضحه واستئصاله ، فإن الولايات الأخرى قد اخذت بدورها نصيبا مهما منه ، ولم تسلم نسبيا سوى الولاية الثانية التي كان يقودها المناضل على كافي . 
فقد راسل عميروش قادة الولايات التاريخية وأعلمهم بالخبر ، وهذا نص الرسالة ترجمته من الفرنسية :
°°[ اكتشفت مؤامرات في منطقتي، ولها امتداد اخطبوطي في كل الولايات، يجب اتخاذ الحيطة والحذر لعزل كل عضو مشبوه بالغنغرينة، وإلا فأن قضيتنا ستخسر. من واجبي أن أعلمكم ... وكلي دعاء لله أن يصلكم الإشعار في الوقت المناسب، بأن ولايتنا (الثالثة اكتشفت) مؤامرة واسعة النطاق بفعالية فرنسية مخطط لها يقودها (الكولونيل قودار والقبطان ليجي
). ضد الثورة الجزائرية، بفضل الله وعونه تم استبعاد المخاطر، تصرفنا بسرعة وجرأة عند ظهور القرائن الأولى لخيوط المؤامرة، اتخذت اجراءات صارمة، توقيف التجنيد، وفحص الأشخاص الذين سبق وأن جندوا، توقيف القومية والجنود الذين فروا من الثكنات الفرنسية، توقيف كل الجنود من مقيمي الجزائر العاصمة، توقيف كل المشبوهين وكل المتهمين مهما كانت مراتبهم ،وهم رهن الإستنطاق والتحقيق ،وهو ما قد يُفهم بأن الأمر غير عادي، الشبكة التي استهدفت ولايتنا أصبحت حاليا مشلولة، التحقيق وإن كان صعبا فإن قادتها كانوا على ما يبدو فوق كل شبهة. ]

الإمضاء " العقيد عميروش .

°°رسالة مفتوحة للكولونيل قودار[Colonel Godard](رئيس قيادة الأمن في الجزائر )
وجه عميروش قائد الولاية التاريخية الثالثة للسلطات الفرنسية رسالة مفتوحة أعلم فيها غريمه (الكولونيل قودار) باكتشاف مخططه المشبوه الذي ظن بأن الثورة سقطت فيه، والرسالة تظهر مدى احترافيه عميروش واستفزازيته للعدو ، فهو يذكرهم بمبادي المحارب النزيه الذي يجابه عدوه بشجاعة دون الإلتجاء إلى ارخص وأخبث الوسائل . ويذكره بمباديء الثورة الفرنسية التي تنكر لها ، ويعلمه بأن الحرية التي كانت تنشدها فرنسا عندما غزاها الألمان ، هي نفس الحرية التي ينشدها الجزائريون ، ويعلمه أن العمل في الظل مع القبطان ليجي يعد عملا أمنيا رخيصا لا يشرف الجندي الفرنسي الذي يفترض ان يجابه الجندي الجزائري بالسلاح وليس بالخيانة والعمل السري المخابراتي .

°°°عميروش بين الإقدام والإحجام .
من يعيش الحدث ليس كمن يقرأه ، قد تكون أحكامنا عاطفية ، وقد تكون عنصرية ، غير أن موقف عميروش موقف جلل ، وهو الرجل المؤمن ، الرجل الثائر ، الرجل الذي لا تثنيه العقبات ، ولا تردعه الأزمات ، مؤمن بقضاء الله وقدره .
بداية اكتشاف خيوط مؤامرة الزرق أنبأت بأن شيئا ما يُطبخ في الخفاء في مخابر فرنسا الإستدمارية ، وبعد استنفارالتحقيق وعقد المحاكمات تبين أن هناك فعلا متعاونين مع فرنسا داخل جيش التحرير ، لكن كيف السبيل الى عزلهم ، فما كان منه سوى أن اسند المهمة للقبطان المروع ( أحسن محيوز ) العنيف في استنطاقاته ، انسان لا يرحم تدرب على التعذيب في ثكنات القيستابو لدى الألمان أثناء الحرب الكونية الثانية ....... مات الكثير من الذين تم استنطاقهم ، و أعدم الكثير ، أمام روعة الحدث احتج البعض عند عميروش ، فأجابهم : (إذا كانوا فعلا خونة فقد نالوا جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة ، وإن كانوا أبرياء فجزاؤهم جنات تجري من تحتها النهار ) وما أنا سوى جندي قمت بواجبي الوطني، حسب ما يمليه على ضميري وديني ، أُزهقت الأرواح هدرا من شباب متعلم من أطباء ومعلمين وأساتذة ، فأصبح العلم ُ والثقافة تهمة تؤدي إلى جز الرأس أو الموت تحت وقع التعذيب ،أرسل عميروش رسالة إلى القيادة العامة في الشرق حول ما وقع، فجاءه الرد مطمئنا ومشجعا من لدن كريم بلقاسم نفسه ، وما من شك في أن فيروس الزرق هو الذي قضى على القائدين عميروش وسي الحواس في جبل ثامر قرب بوسعادة وهما في طريقها إلى تونس بأمر من القيادة الشرقية ، حيث اتضح أن عميروش عازم على تصفية حسابات معهم ومع كريم بشأن غياب الإمداد بالسلاح والذخيرة .

°°° فيروس الزرق يضربُ الولاية التاريخية الرابعة ....
بمجرد عودة القائد محمد بوقرة من اجتماع العقداء في الشمال القسنطيني في ديسمبر 1958 شرع بدوره في سلسلة من التحقيقات أنبأت بوجود مشتبهين خاصة ممن التحقوا بالثورة بعد اضراب الطلبة في 19 ماي 1956 . فطال الإتهام كوادر مهمة في الجيش منهم الرائد (سي عزّ الدين)، والرائد عمر أوصديق، المدعو "سي الطيب"، وهو ما أورث الولاية الرابعة تصفيات في مجاهديها وإطاراتها الحربية ، وانتشر مسلسل التهم المتبادلة والتحقيق والتصفيات الجسدية لأسباب قد يعوز كثيرها للإنتقام بشراهة فأوائل المجاهدين حانقون على أواخرهم المتعلمين الذين زحزحوهم من مناصبهم القيادية ، أصبحت التهمة تُرمى جزافا على شاكلة ما وقع في كل ثورات العالم ، فأصبح الشعار المتداول آنذاك( أرمي خصمك في النار قبل ان يرميك فيها ، أو اقتله قبل أن يقتلك ؟ ) فانتشر الفتك كما تنتشر النار في الهشيم ، وهو ما يؤكده تصريح بول آلان ليجي للصحافة في أواخر أيامه بأن عملية لابلويت أتاحت للثوار تصفية حساباتهم فيما بينهم ، وكل من لم يسايرها يُعد متهما ومذنبا . [2] ولم تسلم سوى الولاية التاريخية الثانية . 

°°° إحصائيات مرعبة للقتلى و المعذبين .....
اختلفت الرويات في حصر عدد القتلى جراء عملية (لابلويت) بين مضخم ومقلل ، ففي الولاية الثالثة التاريخية مثلا قدر خسائرها( محمد بن يحي) فيما بين ألفين وستة آلاف ، وهو تقدير مفرط مقارنة بما تضمنه التقرير المرحلي الذي حمله معه عميروش قبل استشهاده في مارس 1959 ، ففيه معطيات موثقة و أدق مفادها أنه من بين 542 محاكمة ، أطلق سراح 54 ،و 152منهم حوكموا بالقتل ، و336 ماتوا أثناء الإستنطاق والتعذيب من بينهم 30 ضابطا ، أي بمجموع 488 قتيل ، ولم تتوقف التصفيات إلا عند بداية عمليات المنظار التي استهدفت الولاية ،
و يبدو واضحا أن القائدين عبد الرحمن ميرة ومحند الحاج عارضا مسلسل المحاكمات والقتل التي انتهجها عميروش ، وراسل قائد الولاية الرابعة تقريرا لقيادة الثورة في الغرب حاصرا عدد خسائر ولا يته الإجمالي جراء الإندساس ، مقدر ب 486 عسكري ، من بينهم 20 ضابطا و24 من ضباط الصف أغلبهم عناصر متعلمة ومثقفة ،والخسائر البشرية في حقيقتها ضنية وتخمينية ،لأنها لا تستند غالبا إلى وثيقة واضحة ، فالتقديرات تشير أن الولاية ( الثالثة ) هي أكثرها خسائر ، تليها الولاية السادسة ( الصحراء ) ب 4000 قتيل ، ثم الولاية الأولى بألفي قتيل ، والولاية الرابعة ب 1500 قتيل ، في حين ان الولايتين الثانية والخامسة خسائرهما لم تتعدى 500 قتيل لكل منهما ، ناهيك عن مجزرة ( بني يلمان ) المعروفة بملوزة وغيرها . 
°° رحم الله جميع من أخطأت في حقه الثورة ، واسكنهم الله فردوسه الأعلى ، فهم من المجاهدين الأوفياء للوطن . 

الإحالات والمراجع :________________________________

[1] معلومات مستقاة من تصريح للقبطان أليجي في 1987.
Paul-Alain Léger, interviewé par
Patrice Gélinet, le 13 aout 1987
La capitaine Léger déclara plus tard : [2]
« Certaines bonnes âmes, sans doute dans le regret des grandes chevauchées et des combats ardents sous le soleil, prétendront que c’est là une guerre souterraine indigne de guerriers. Je pense personnellement que si l’ennemi a des dispositions particulières pour se détruire lui-même, bien coupable serait celui qui n’en profiterait pas !. »
ترجمته: 
بعض النفوس المخلصة نادمة على التداخل الكبير في الحرب الحماسية تحت الشمس ، وهي جدال بأنها حرب تحت الأرض ليست شريفة للمحاربين ، اعتقد شخصيا بأن العدو(جيش التحرير) له حكمه الخاص لتدمير نفسه بنفسه ، ويُعد مذنبا كل من لم يغتنم الفرصة التي أتيحت له .
تصريح القبطان ( ليجي) في اواخر عمره . 
ففي قول ( ليجي) أن (عملية لبلويت )أتاحت للثوار تصفية حساباتهم فيما بينهم ، وكل من لم يسايرها يُعد متهما ومذنبا .
مراجع معتمدة :
°° مذكرات ( حمو عميروش ) .
°° مذكرات مهدي الشريف المنشورة في الشروق اليومي .
°° مقال حول لابلويت لمنتصر أوبترون .
°° موقع وكيبيديا wikipedia.org/wiki/Bleuite.°° 
La bleuïte ou l’art de la guerre / La Fabrique de l’Histoire°° 
http://www.fabriquedesens.net/La-bleuite-ou-l-art-de-la-guerre

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.