مؤامرة لابلويت : الحقيقة المرة (حوار)

1365765898
تابعنا في‮ ‬الحلقة الأولى من هذا الحوار الشيّق مع المجاهد محمد والكي‮ ‬قصري‮ ‬أحد أهم محضري‮ ‬الثورة التحريرية بقرية سيدي‮ ‬نعمان بولاية تيزي‮ ‬وزو،‮ ‬كيف كانت الترتيبات والتحضيرات لتفجير الثورة التحريرية المسلحة،‮ ‬كما تابعنا مجريات الإصابة البليغة التي‮ ‬أصيب بها في‮ ‬معركة طاحنة ضد الجيش الفرنسي،‮ ‬وكيف نجا بأعجوبة من قبضة العسكر الفرنسي،‮ ‬وستتابعون اليوم أحداثا أخرى شيقة ومثيرة فيما تبقّى من مساره الثوري،‮ ‬وكذا الحجج الدامغة التي‮ ‬يقدمها عن صحة عملية لابلويت فإليكموها‮..‬
ما هو أهم حدث لازال عالقا في‮ ‬ذاكرتك إلى الآن من بين الأحداث التي‮ ‬عايشتموها خلال الثورة أو خلال التحضير لها ؟
أهم حدث عايشته هو اعتقال رفاقي‮ ‬سنة‮ ‬1957،‮ ‬الذي‮ ‬كان عبارة عن معجزة من عند الله،‮ ‬مزجت بين الألم والأمل،‮ ‬ففي‮ ‬يوم من الأيام ونحن داخل القرية حاصر الجيش الفرنسي‮ ‬القرية من الصباح حتى المساء،‮ ‬دون أن‮ ‬يعتقل أو‮ ‬يمس أحد،‮ ‬كنت آنذاك مسؤول مقاطعة،‮ ‬وهي‮ ‬المسؤولية التي‮ ‬تقلدتها خلفا لعمر حداد الذي‮ ‬ارتقى إلى مسؤول كتيبة،‮ ‬أحسست أن حصار القرية في‮ ‬الصباح لم‮ ‬يكن اعتباطيا ولا عشوائيا،‮ ‬بل أن أمرا دبره الجيش الفرنسي،‮ ‬وفي‮ ‬المساء كلفني‮ ‬الرائد‮ «‬سي‮ ‬احسن‮» ‬بمهمة قتل أحد الخونة في‮ ‬قرية القاهرة،‮ ‬فقلت لسي‮ ‬مقران أنني‮ ‬ذاهب في‮ ‬مهمة،‮ ‬وعليكم أن تغيروا المكان وتتوجهوا إلى‮ ‬غابة ميرة‮.‬
‬توجهت أنا إلى المهمة التي‮ ‬كلفني‮ ‬بها الرائد سي‮ ‬أحسن،‮ ‬بينما الجنود الذين أمرتهم بمغادرة المكان لم‮ ‬ينفذوا الأوامر واستثقلوا المغادرة،‮ ‬وقد كان إحساسي‮ ‬في‮ ‬محله،‮ ‬فقد باشر الجيش الفرنسي‮ ‬تمشيطا مكثفا للمنطقة،‮ ‬وأحكم عليها حصارا مشددا،‮ ‬وبينما أنا في‮ ‬طريقي‮ ‬عائدا من المهمة سمعت طلقات رصاص من الناحية التي‮ ‬تركت فيها زملائي،‮ ‬فأوجست خيفة من أن‮ ‬يكونوا قد وقعوا في‮ ‬مصيدة العسكر الفرنسي،‮ ‬في‮ ‬المساء التقيت بسي‮ ‬محند أوبلقاسم،‮ ‬فسألته عن مصدر الرصاص الذي‮ ‬دوى قبل قليل،‮ ‬فأخبرني‮ ‬أن الجماعة سقطت في‮ ‬كمين،‮ ‬مقران وكاتبي‮ ‬ومسؤل منطقة بني‮ ‬مزنزان ألقي‮ ‬عليهم القبض،‮ ‬كانت الحادثة بالنسبة لي‮ ‬الفاجعة الكبرى،‮ ‬وبالنسبة لعاشور الحركي‮ ‬بالقرية بمثابة الغنيمة الكبرى،‮ ‬فقد عذب أمقران عذابا شديدا،‮ ‬ولما جاء دور الحراسة لواحد من الجزائريين المجندين في‮ ‬الجيش الفرنسي‮ ‬أصله من مدينة وهران،‮ ‬وعندما حاول أحد الحركى ضرب مقران منعه،‮ ‬وقال له أنه في‮ ‬هذا الوقت تحت حراستي‮ ‬ومسؤوليتي،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬أدى إلى شجار بين الأول والثاني،‮ ‬وبعد أن هدأت الأمور قال الجندي‮ ‬لمقران من كان‮ ‬يبعث لنا بالرسائل لنغادر الثكنة،‮ ‬وكنا نحن قد بعثنا برسائل إلى هؤلاء الجنود نحرضهم فيها على مغادرة الثكنة والالتحاق بصفوف جيش التحرير،‮ ‬فقال له مقران الذي‮ ‬كان منهك القوى من شدة التعذيب حتى أن السلك الذي‮ ‬ربط به كان قد أكل من لحمه،‮ «‬نحن من كان‮ ‬يبعث لكم بالرسائل‮»‬،‮ ‬فقال له لو أطلق سراحك الآن هل تستطيع الهروب؟ فقال مقران،‮ ‬نعم،‮ ‬وعاد ذلك الجندي‮ ‬إلى مقران وقال له هل توصلني‮ ‬إلى‮ «‬الخاوة‮» ‬إذا فررنا معك،‮ ‬فقال نعم،‮ ‬وبالفعل أطلقا سراح مقران وفرا معه،‮ ‬وجلبوا معهم بعض الأسلحة،‮ ‬فعندما وصل مقران إلى المخبأ اعترف أن ما حدث هو عدم تنفيذ تعليماتي‮ ‬بمغادرة المكان،‮ ‬قلت لك أنها كانت معجزة على اعتبار أننا خسرنا‮ ‬الكاتب ومسؤول منطقة بني‮ ‬مزنزان،‮ ‬وعوضنا الله في‮ ‬نفس الوقت ثلاثة جنود آخرين وأسلحتهم‮».‬
في‮ ‬المقابل ما هي‮ ‬أسوأ ذاكرة ؟
كانت تلك التي‮ ‬حرمنا فيها من تهريب‮ ‬30‮ ‬جنديا جزائريا بثكنة‮ «‬دي‮ ‬كايي‮» ‬بأسلحتهم‮.‬
كيف كانت القصة ؟
في‮ ‬سنة‮ ‬1957،‮ ‬كنا على اتصال مع جنديين من المجندين الجزائريين في‮ ‬الجيش الفرنسي‮ ‬بثكنة‮ «‬دي‮ ‬كايي‮» ‬بضواحي‮ ‬ذراع بن خدة،‮ ‬لكي‮ ‬نساعدهم على الهروب،‮ ‬وضعنا خطة محكمة لتهريبهم،‮ ‬قبل ذلك اقترحوا علينا الانتظار قليلا،‮ ‬لأنه سيلتحق بالثكنة حوالي‮ ‬30‮ ‬جنديا آخرين،‮ ‬وقد‮ ‬يمكنهم كذلك من الفرار،‮ ‬اتفقنا على هذا الأمر،‮ ‬وفعلا تم اقناع الجنود الثلاثين بضرورة الفرار من الثكنة والالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني،‮ ‬كان في‮ ‬الثكنة حوالي‮ ‬40‮ ‬ جنديا فرنسيا،‮ ‬اتفقنا على أن‮ ‬يكون الموعد‮ ‬يوم الأحد على اعتبار أنه‮ ‬يوم عطلة بالنسبة للجنود الفرنسيين،‮ ‬وسيقضون‮ ‬يومهم داخل قاعة السينما،‮ ‬مما‮ ‬يسهل علينا الانقضاض عليهم والفرار نحو الغابة‮. ‬كان هذا هو الاتفاق النهائي‮ ‬مع الجندي‮ ‬الذي‮ ‬كان في‮ ‬اتصال معنا،‮ ‬أعطانا قائمة كل الأسلحة التي‮ ‬كانت بالثكنة،‮ ‬وقال لنا عليكم بجلب بغال لنقلها،‮ ‬وكانت لو نفذناها‮ ‬غنيمة كبيرة جدا بالنسبة للمجاهدين،‮ ‬وضربة موجعة للجيش الفرنسي،‮ ‬اتصلت أنا بدوري‮ ‬بملازم‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬لا أذكر اسم العائلة حتى لا أجرح مشاعرها،‮ ‬من أجل تزويدي‮ ‬ودعمي‮ ‬ببعض الجنود لتعزيز قدراتنا حتى نتمكن من القيام بالمهمة بكل ثقة‮. ‬ولكن‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬تماطل في‮ ‬مساندتنا حالت دون ذلك،‮ ‬فقد اتفقنا على أن‮ ‬يلتحق بنا بالجنود‮ ‬يوم السبت،‮ ‬على أن ننقضّ‮ ‬على الثكنة في‮ ‬مساء‮ ‬يوم الأحد،‮ ‬إلا أنه لم‮ ‬يصل أي‮ ‬منهم،‮ ‬فاتصل بي‮ ‬الجندي‮ ‬الذي‮ ‬اتفقنا معه بثكنة‮ «‬دي‮ ‬كايي‮»‬،‮ ‬للاستفسار عن السبب،‮ ‬فقلت له أن الجنود انطلقوا في‮ ‬المهمة كما اتفقنا،‮ ‬وفي‮ ‬طريقهم صادفوا الجيش الفرنسي‮ ‬ودخلوا في‮ ‬معركة مما حال دون استكمالهم‮ ‬الطريق،‮ ‬ولم أكن أود إخباره بما حدث مع الملازم‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬الذي‮ ‬لما كان‮ ‬يتعمد في‮ ‬التماطل في‮ ‬بعث الجنود لأسباب سأذكرها فيما بعد،‮ ‬وفي‮ ‬يوم الخميس من نفس الأسبوع بعثت له برسالة ثانية أترجاه فيها أن‮ ‬يبعث لنا الكتيبة‮ ‬يوم السبت لتنفيذ العملية،‮ ‬إلا أنه لم‮ ‬يفعل،‮ ‬مر‮ ‬يوم الأحد دون أن ننفذ العملية،‮ ‬وفي‮ ‬يوم الثلاثاء سمعنا أن إدارة الثكنة حولت الجنود إلى ثكنة آخرى،‮ ‬وبالتالي‮ ‬حرمنا‮ ‬غنيمة كانت ستكون لها انعكاسات جد إيجابية على معنويات وقدرات جيش التحرير بالمنطقة،‮ ‬وبقيت هاته أسوأ ذاكرة في‮ ‬حياتي‮. ‬

خلفت عملية الزرق أو ما‮ ‬يسمى بـ«لابلويت‮» ‬بالولاية الثالثة الكثير من الجدل،‮ ‬وأسالت الكثير من الحبر،‮ ‬فالبعض‮ ‬يقول أنها لا أساس لها من الصحة وأنها مجرد ظنون ومكيدة ومصيدة من المخابرات الفرنسية لتصفية جيش التحرير من الداخل،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يعتبرها البعض صحيحة وأن المخابرات الفرنسية زرعت فعلا عملاء في‮ ‬صفوف جيش التحرير الوطني،‮ ‬كيف ترى أنت القضية؟
قضية لابلويت صحيحة مئة بالمئة،‮ ‬وليس فيها أي‮ ‬شك،‮ ‬فرنسا زرعت فعلا في‮ ‬صفوف جيش التحرير عناصر‮ ‬يعملون لصالحها،‮ ‬والكثير من المواقف والأحداث تثبت بما لا‮ ‬يدع مجالا للشك أنهم‮ ‬كانوا مندسين في‮ ‬صفوف جيش التحرير،‮ ‬والبعض منهم كان في‮ ‬منصب المسؤولية،‮ ‬فعلى سبيل المثال لا الحصر أروي‮ ‬قصة الملازم‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬الذي‮ ‬كنت أتعامل معه أنا شخصيا بصفتي‮ ‬مسؤول مجموعة وهو مسؤول كتيبة،‮ ‬وكنت قد رويت لكم قصة إفشاله لعملية فرار الجنود الجزائريين من ثكنة‮ «‬دي‮ ‬كايي‮»‬،‮ ‬فتلك العملية كان المفروض أن توفر لها كتيبة كاملة وبسرعة قياسية،‮ ‬لو كان‮ ‬ينظر لها من منظار مصلحة جيش التحرير،‮ ‬ورويت لكم كيف ترجيته مرتين ولم‮ ‬يفعل،‮ ‬وبعدها تعمدت الإدارة الفرنسية تحويل الجنود الذين كانوا‮ ‬يرغبون في‮ ‬المغادرة،‮ ‬فلماذا التباطؤ ؟ ومن أخبر الإدارة الفرنسية حتى‮ ‬يتم تحويل كل الجنود،‮ ‬فهاته الحادثة الأولى؟‮.‬
‭-‬الثانية‮: ‬وقع بعض المجاهدين بمنطقة إيقوراس في‮ ‬يوم من الأيام في‮ ‬اشتباك مع الجيش الفرنسي،‮ ‬وكان المجاهدون مسلحون جيدا،‮ ‬مما صعب على الجيش الفرنسي‮ ‬القضاء عليهم،‮ ‬ودامت المواجهة قرابة‮ ‬يوما كاملا،‮ ‬فقلت للملازم‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬علينا أن نسرع إلى نجدتهم،‮ ‬فرفض،‮ ‬وكنت أنا مسؤول مجموعة وهو مسؤول كتيبة،‮ ‬حاول إيهامنا بانتظار العسكر الفرنسي‮ ‬في‮ ‬منطقة ما،‮ ‬فرأيت أن المكان لا‮ ‬يصلح بتاتا للقيام بالعملية‭.‬‮ ‬في‮ ‬الصباح سطرت مع عمر درويش خطة محكمة للتدخل،‮ ‬فقلت له عليك أن ترابط في‮ ‬الأعلى بمقبرة بوردين،‮ ‬وأنا والمجموعة في‮ ‬الأسفل،‮ ‬ولا تطلق النار إذا ما كان الفرنسيون متوجهون إلى الأسفل نحونا،‮ ‬أتركهم‮ ‬ينحدرون حتى‮ ‬يدخلوا في‮ ‬شباكنا،‮ ‬فنواجههم نحن بالسلاح،‮ ‬وإذا ما فروا نحو الأعلى‮ ‬يجدوكم أنتم بالمرصاد،‮ ‬إلا أن‮ «‬م،ح‮» ‬أمر عمر درويش بتغيير الخطة دون علمي‮. ‬وصل الجيش الفرنسي‮ ‬كما خططنا له،‮ ‬ولكننا تفاجأنا أنهم كانوا على دراية بمكاننا،‮ ‬وأنهم هم من باغتونا وليس نحن،‮ ‬ومع ذلك واجهناهم بالسلاح،‮ ‬ودفعنا أغلبهم للفرار ناحية المقبرة أين من المفروض أن‮ ‬يكون عمر درويش وجماعته‭.‬‮ ‬ظننا أن المعركة تسير كما خططنا لها،‮ ‬انتظرنا رد عمر درويش لكن ولا رصاصة أطلقت،‮ ‬وفر الجنود الفرنسيون،‮ ‬في‮ ‬المساء التقيت بعمر درويش،‮ ‬واستفسرته‮ ‬غاضبا عن سبب عدم تنفيذه الأوامر،‮ ‬فقال لي‮ ‬أن‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬منعه من ذلك،‮ ‬وأمره بأن‮ ‬يرابط في‮ ‬مكان آخر،‮ ‬وهذه حادثة ثانية تثبت تورطه في‮ ‬وشاية بنا للجيش الفرنسي‮.
الجزء الثالث
بعدما قدّم‮ «‬سي‮ ‬واكلي‮» ‬حججا دامغة عن صحة عملية‮ «‬لابلويت‮»‬،‮ ‬يواصل شهادته في‮ ‬الجزء الثالث من حواره المطول،‮ ‬ليعزّز حججه بأحداث عايشها تثبت صحة العملية،‮ ‬كما‮ ‬يعود المجاهد بذاكرته إلى الإجتماع الذي‮ ‬عقده العقيد عميروش بعد الإنتهاء من العملية،‮ ‬كما‮ ‬يعرّج أيضا على بعض الأخطاء التي‮ ‬عرفتها الثورة عايشها هو شخصيا‮.‬
والثالثة‮: ‬طلب منّا نفس المسؤول‮ «‬ح‮. ‬م‮» ‬حضور اجتماع الناحية عُقد ببني‮ ‬جناد في‮ ‬سنة‮ ‬1957،‮ ‬بصفته مسؤول الناحية الثالثة بالقطاع‮ ‬2،‮ ‬وكنت آنذاك مسؤول منطقة سيدي‮ ‬نعمان،‮ ‬كنا تسعة،‮ ‬خمسة مسؤولي‮ ‬منطقة،‮ ‬واوحد قائد كتيبة،‮ ‬ومسؤول الصحة،‮ ‬ومسؤول آخر،‮ ‬ومقران بن‮ ‬يوسف،‮ ‬انتهينا من الإجتماع في‮ ‬حدود الساعة الرابعة،‮ ‬استسمحت‮ «‬ح‮. ‬م‮» ‬بالقيام بدورية خاطفة بالغابة للتعرف على إمكانيات الجنود،‮ ‬ومدى استعدادهم لتأمين خروج القادة من الإجتماع،‮ ‬لكنه رفض،‮ ‬ووجَّهنا إلى مكان آخر،‮ ‬إلى بيت أحد المدنيين،‮ ‬وصلنا إلى المنزل المحدد،‮ ‬دخلنا لنستريح قليلا،‮ ‬لكن خطة معادية كانت تنسج في‮ ‬الخارج،‮ ‬حاصرنا الجنود الفرنسيون بطريقة محكمة توحي‮ ‬بأنهم كانوا على علم بمكان تواجدنا،‮ ‬فأخبرتنا ربة البيت أن هناك مخبأ في‮ ‬البيت إن أردنا الإختباء فيه،‮ ‬لكني‮ ‬رفضت ذلك،‮ ‬وأمرت الجنود بالإستعداد للمواجهة،‮ ‬حتى وإن كانت في‮ ‬غير صالحنا،‮ ‬فليس لدينا خيار آخر،‮ ‬بقينا محاصرين في‮ ‬فناء البيت نتبادل إطلاق النار،‮ ‬وكنا نبحث عن مسلك للفرار،‮ ‬فلم نعثر على أي‮ ‬طريق،‮ ‬فما كان لي‮ ‬إلا أن تسلقت جدار البيت،‮ ‬وتسللت بصعوبة إلى المنزل المجاور ومنها‮ ‬إلى الخارج،‮ ‬واتخذت مكانا محصّنا وشرعت في‮ ‬إطلاق النار على العسكر الفرنسي،‮ ‬لتمكين زملائي‮ ‬من الفرار،‮ ‬خرجنا بأعجوبة من المنزل،‮ ‬وتمّ‮ ‬إصابة جندي‮ ‬اسمه مقران في‮ ‬العملية،‮ ‬فقمنا بإجلائه،‮ ‬كان واحد منا‮ ‬يحمل مقران والآخر‮ ‬يتكفل بالحماية وهكذا بالتناوب،‮ ‬تتبع أثرنا الجيش الفرنسي‮ ‬ولكن كنا قد وصلنا إلى الغابة فاختفينا،‮ ‬والْتحمنا مرة أخرى،‮ ‬وكان أن الله سبحانه وتعالى أنجانا من موت محقق،‮ ‬أسئلة كثيرة كانت تتبادر إلى أذهاننا،‮ ‬لماذا بعثنا‮ «‬ح،‮ ‬م‮» ‬إلى ذلك البيت؟ كيف عرف الجيش الفرنسي‮ ‬تواجدنا بتلك الدقة والسرعة؟ راودتنا شكوك بأن هناك وشاية من قبل صاحب المنزل،‮ ‬في‮ ‬المساء عدنا إلى البيت الذي‮ ‬كنا مختبئين فيه،‮ ‬استفسرنا إن كان صاحب المنزل قد تعرض لأي‮ ‬إيذاء من طرف الجيش الفرنسي،‮ ‬فأخبرتنا ربة البيت أنه لم‮ ‬يحدث شيء،‮ ‬فاستغربنا كيف لصاحب منزل عثر فيه الجيش الفرنسي‮ ‬على ثمانية مجاهدين بداخله،‮ ‬ولا‮ ‬يتعرض حتى للإعتقال،‮ ‬لو كان أحد آخر في‮ ‬مكانه لقطِّع حيًّا،‮ ‬وتعرّض للتنكيل والتعذيب وربما للقتل،‮ ‬فاعتقلنا ربة البيت وابنها وعروس،‮ ‬وبعد التحقيقات اعترفت العروس أن صاحب المنزل عميل للجيش الفرنسي،‮ ‬وأنهم كانوا قد طلبوا منها أن تدسّ‮ ‬لنا السم في‮ ‬الطعام،‮ ‬وأن ربة البيت دعت المجاهدين للإختباء في‮ ‬المخبأ حتى‮ ‬يتمكن الجيش الفرنسي‮ ‬من القضاء عليهم بداخله بسهولة ودون مقاومة،‮ ‬ولما تأكدنا من المعلومة نفّذ حكم الإعدام في‮ ‬الابن والعجوز وأطلق سراح العروس‮. ‬وهذه الثالثة‮.‬
الرابعة‮: ‬كان جيش التحرير الوطني‮ ‬يدفع للمسبلين مستحقاتهم نظير المؤونة التي‮ ‬كانوا‮ ‬يزودونه بها،‮ ‬وكنت مع مطلع كل شهر أتنقل إلى قرية رجاونة لدفع المستحقات،‮ ‬كان في‮ ‬المنطقة مسؤولان لا أذكر اسمهما،‮ ‬ثبت فيما بعد أنهما من الزرق،‮ ‬وحيث أنا في‮ ‬المنقطة معهم أعطوا أوامر لقتل أحد الخونة اسمه‮ «‬قرفي‮» ‬في‮ ‬بيته،‮ ‬فتدخلت قلت أنه من الأفضل أن‮ ‬يعدم خارج البيت وبعيدا عن أعين أبنائه،‮ ‬لأنهم بريئون ولا دخل لهم في‮ ‬عمالة أبيهم،‮ ‬إضافة إلى أن قتله داخل‮ «‬الدوار‮» ‬سيعرّض المدنيين إلى شتى أنواع التعذيب،‮ ‬لكن المسؤولان رفضا وأصرا على قتله أمام أعين أبنائه وداخل‮ «‬الدوار‮»‬،‮ ‬والكارثة أن بعثا مع المكلفين بالمهمة أحد أبناء‮ «‬قرفي‮» ‬وأمروه بأن‮ ‬يتكفل بقتل أبيه،‮ ‬فكان أن قتل أباه وبطريقة بشعة،‮ ‬وعندما عاد المكلفين بالمهمة،‮ ‬أمروا الإبن الذي‮ ‬قتل أباه أن‮ ‬يعود للعمل في‮ ‬تلك القرية،‮ ‬فحاول أن‮ ‬يقنعهما أنه لا‮ ‬يعقل أن‮ ‬يقتل أباه في‮ ‬القرية ويعود للعمل فيها،‮ ‬ولكنهم أصروا على ذلك فغضب المعني،‮ ‬وعاد إلى القرية ومن شدة الحرقة استسلم للجيش الفرنسي،‮ ‬وبات‮ ‬يعمل لصالحه،‮ ‬ولحسن حظه أنه قتل من طرف المجاهدين مباشرة بعد أن جاء رفقة الجيش الفرنسي‮ ‬إلى الغابة‮. ‬
مَنْ‮ ‬هم القادة الذين تعاملت معهم،‮ ‬وهل الْتقيت بقائد الولاية الثالثة العقيد عميروش؟
نعم،‮ ‬الْتقيت عميروش في‮ ‬مناسبة واحدة ووحيدة،‮ ‬ففي‮ ‬سنة‮ ‬1958‮ ‬ بعد الإنتهاء من عملية الزرق طلب من كل مسؤولي‮ ‬الولاية الثالثة أن‮ ‬يحضروا اجتماعا بجبال‮ «‬تلا نعمة‮»‬،‮ ‬ليطلعهم عى نتائجها وكيف انتهت،‮ ‬حضرت الإجتماع الذي‮ ‬عقد منتصف النهار بصفتي‮ ‬مسؤولا على ناحية بني‮ ‬جناد،‮ ‬فخطب العقيد عميروش في‮ ‬الحاضرين خطابا مؤثرا،‮ ‬وشرح فيها دواعي‮ ‬إعدام‮ ‬كل من تحوم حوله الشكوك بأنه مندس في‮ ‬صفوف جيش التحرير الوطني،‮ ‬بعد أن تقام عليه الحجة،‮ ‬واعترف بتأثر كبير أنه قد‮ ‬يكون من بين الذين نفذ في‮ ‬حقه حكم الإعدام أو الذين عذبوا أبرياء،‮ ‬ولكنها‮ ‬‭-‬‮ ‬كما قال‮ ‬‭-‬‮ ‬مقتضيات الحيطة والحذر،‮ ‬وساق مثالا‮ «‬أنه إذا كان في‮ ‬سلة بطاطا أو طماطم حبة متعفنة،‮ ‬فعلينا التخلص منها وإلا فسدت كل السلة‮»‬،‮ ‬وكانت هذه الفرصة،‮ ‬أول وآخر مرة رأيت فيها العقيد عميروش‮.‬ عرفت كذلك أعمر أوعمران‮ ‬‭-‬‮ ‬كما قلت لك سابقا‮ ‬‭-‬‮ ‬في‮ ‬سنة‮ ‬1947‮ ‬ في‮ ‬بداية التحضير للثورة،‮ ‬وقد أشرف على تدريبنا شخصيا رفقة العقيد علي‮ ‬ملاح،‮ ‬وكذلك الْتقيت كريم بلقاسم عندما سافرنا إلى بلجيكا،‮ ‬كان هو الذي‮ ‬استقبلنا في‮ ‬الميناء،‮ ‬كما قلت في‮ ‬بداية حديثي‮.‬عرفت الرائد سي‮ ‬حسن كذلك ولكن لم تكن لمدة طويلة،‮ ‬كذلك عمر الباز الذي‮ ‬كان من الأوائل الذين الْتحقوا بالثورة قبل الفاتح نوفمبر في‮ ‬مرحلة التحضيرات بقرية أو حميش،‮ ‬في‮ ‬شهر أفريل‮ ‬1955،‮ ‬استدعاني‮ ‬بغابة‮ «‬ميزرانة‮» ‬لكي‮ ‬ننظم القرية ونوعِّيها بضرورة العمل لصالح الثورة التحريرية‮.‬
أكيد أن الثورة التحريرية ليست منزهة،‮ ‬وتكون قد حدثت بها أخطاء،‮ ‬سواء عن سوء تقدير أو نقص للتجربة،‮ ‬هل ممكن أن تحدثنا عن أحداث عايشتها أنت بنفسك؟
أذكر مثلا،‮ ‬حادثة مع أحد المجاهدين لا أذكر اسمه،‮ ‬كان مجاهدا شجاعا ومتحمسا ولكنه مدمن على‮ «‬الشمة‮»‬،‮ ‬وكانت هذه الأخيرة إبان الثورة التحريرية من المحظورات مثلها مثل التبغ،‮ ‬في‮ ‬يوم من الأيام قبض عليه من طرف القائد المدعو‮ «‬سي‮ ‬موح الصغير‮» ‬وهو من‮ «‬تلا مقر‮»‬،‮ ‬فعاقبه عقابا مذلا ومهينا لكرامته،‮ ‬حيث أمره بأن‮ ‬يحلق شاربه من طرف واحد فقط،‮ ‬ويترك الطرف الثاني،‮ ‬ويأتي‮ ‬هكذا إلى مكان حدده له في‮ ‬موعد محدد حتى‮ ‬يتأكد من تنفيذه للأوامر،‮ ‬وإلا سيكون مصيره الإعدام،‮ ‬فما كان من المجاهد الذي‮ ‬لم‮ ‬يحتمل إهانة كرامته إلا أن‮ ‬يتوجه مباشرة إلى الجيش الفرنسي،‮ ‬وأعلمه بموعد لقاء‮ «‬سي‮ ‬موح الصغير‮»‬،‮ ‬فنصب له كمينا وقتل،‮ ‬وبالتالي‮ ‬خسرت الثورة رجلين،‮ ‬واحد قتل والآخر انضم إلى صفوف الجيش الفرنسي‮.‬
الحلقة الأخيرة
نتابع في‮ ‬الحلقة الأخيرة من الحوار المطول مع المجاهد محند واكلي‮ ‬بعض الأخطاء التي‮ ‬عايشها خلال الثورة التحريرية،‮ ‬والتي‮ ‬صدرت من مجاهدين وضباط في‮ ‬جيش التحرير الوطني،‮ ‬كما‮ ‬يروي‮ ‬لنا مغامراته مع الرائد سي‮ ‬إيدير بمدينة تيزي‮ ‬وزو،‮ ‬فإليكموها‮.‬
‭*‬‮ ‬أكيد أن الثورة التحريرية ليست منزهة،‮ ‬وتكون قد حدثت بها أخطاء،‮ ‬سواء عن سوء تقدير أو بسبب نقص التجربة،‮ ‬هل من الممكن أن تحدثنا عن أحداث عايشتها انت بنفسك؟‮ ‬
‭-‬‮ ‬أذكر مثلا،‮ ‬حادثة مع أحد الرفقاء لا أذكر اسمه،‮ ‬كان شابا شجاعا ومتحمسا ولكنه مدمن على‮ «‬الشمّة‮»‬،‮ ‬وكانت هذه الأخيرة إبان الثورة التحريرية من المحظورات مثلها مثل التبغ،‮ ‬في‮ ‬يوم من الأيام قبض عليه متلبسا من طرف القائد المدعو‮ «‬سي‮ ‬موح الصغير‮» ‬وهو من تلا مقر،‮ ‬فعاقبه على فعلته عقابا مذلا ومهينا لكرامته،‮ ‬حيث أمره بأن‮ ‬يحلق شاربه من طرف واحد فقط،‮ ‬ويترك الطرف الثاني،‮ ‬ويأتي‮ ‬بتلك الصفة إلى مكان حدده له في‮ ‬موعد محدد حتى‮ ‬يتأكد من تنفيذه للأوامر،‮ ‬فما كان من المجاهد الذي‮ ‬لم‮ ‬يتحمل إهانة كرامته إلا أن توجه مباشرة إلى الجيش الفرنسي،‮ ‬ليعلمه بموعد لقاء‮ «‬سي‮ ‬موح الصغير‮»‬،‮ ‬فنصب له كمينا وقتل،‮ ‬وبالتالي،‮ ‬خسرت الثورة رجلين،‮ ‬واحد قتل والآخر انضم إلى صفوف الجيش الفرنسي‮. ‬كذلك حادثة أخرى،‮ ‬حيث كنا في‮ ‬يوم من الأيام نرابط في‮ ‬إحدى المناطق بغابة ميزرانة،‮ ‬وإذا بنا نشاهد قوة لا مثيل لها للجيش الفرنسي‮ ‬تزحف نحونا،‮ ‬وكنا تحت قيادة الملازم المدعو‮ «‬موسطاش‮»‬،‮ ‬اقترحنا عليه مغادرة المكان قبل سقوطنا في‮ ‬فخ الحصار،‮ ‬لكنه رفض بحجة أن الجيش الفرنسي‮ ‬يقوم بعملية تمشيط للقرية فقط،‮ ‬بينما كانت عدة وعتاد الجيش الفرنسي‮ ‬يوحيان بأن الأمر لا‮ ‬يتعلق بتمشيط قرية،‮ ‬بل تمشيط الغابة والاستعداد لمعركة،‮ ‬فقد استنجد بالدبابات والطائرات وحتى البوارج،‮ ‬وكانت القوات الفرنسية تتقدم باتجاهنا،‮ ‬فعدت إلى‮ «‬موسطاش‮» ‬وقلت له أن الجيش الفرنسي‮ ‬سيحاصرنا،‮ ‬فعلينا تغيير المكان والذي‮ ‬لن‮ ‬يكون في‮ ‬صالحنا خلال المعركة،‮ ‬لكنه رفض وأصر على البقاء في‮ ‬ذلك المكان المكشوف،‮ ‬وحدثت المعركة فعلا وخسرنا عددا كبيرا من المجاهدين‮. ‬
‭*‬‮ ‬تنقلت إلى مدينة تيزي‮ ‬وزو لنقل‮ ‬تقارير المنطقة لقيادة الولاية،‮ ‬فكانت مغامرة حقيقية،‮ ‬رفقة الملازم سي‮ ‬إيدير الذي‮ ‬له قصة‮ ‬غريبة مع الإدارة الفرنسية،‮ ‬وعشت أحداثا طريفة معه،‮ ‬هل‮ ‬يمكن أن تحكي‮ ‬لنا تفاصيلها؟‮ ‬
‭-‬‮ ‬في‮ ‬سنة‮ ‬1960،‮ ‬كلفت من طرف الرائد سي‮ ‬احسن بمهمة جمع تقارير المنطقة،‮ ‬وكانت تجمع كل ثلاثة أشهر وترفع إلى قيادة الولاية،‮ ‬تنقلت إلى بني‮ ‬دوالة،‮ ‬فمكثت فيها‮ ‬3‭ ‬ أشهر،‮ ‬وبعدها إلى معاتقة،‮ ‬وبعدها تنقلت إلى مدينة تيزي‮ ‬وزو،‮ ‬كنت رفقة الملازم سي‮ ‬إيدير،‮ ‬وهو من قرية أقرو بن‮ ‬يعلى،‮ ‬يملك مواصفات تشبه إلى حد كبير‮ «‬الرواما‮»‬،‮ ‬كما كان‮ ‬يقال لهم ذلك الوقت،‮ ‬سواء من حيث الصفات الخلقية أو اتقانه للغة الفرنسية،‮ ‬ما ساعده على التمويه والتحرك في‮ ‬أرجاء المدينة بكل‮ ‬يسر‮. ‬في‮ ‬يوم من الأيام كنا في‮ ‬مهمة أنا وسي‮ ‬إيدير وجندي‮ ‬آخر،‮ ‬وكان لزاما علينا أن نمر على مركز مراقبة للجيش الفرنسي،‮ ‬وكما قلت لك ان سي‮ ‬إيدير كان‮ ‬يشبه كثيرا‮ «‬الرواما‮»‬،‮ ‬وبالتالي،‮ ‬لم‮ ‬يثر الشكوك،‮ ‬ولم‮ ‬يوقفنا المكلف بالحراسة‮ ‬بمركز المراقبة،‮ ‬وللتمويه صاح سي‮ ‬إيدير في‮ ‬وجه الجندي‮ ‬الفرنسي،‮ ‬وقال له‮ «‬كيف سمحت لنا بالمرور دون تفتيش؟،‮ ‬لو كنا‮ «‬فلاڤة‮» ‬لقتلناكم‮ ‬جميعا؟‮»‬،‮ ‬فسكت الجندي‮ ‬وطأطأ رأسه،‮ ‬ظنا منه أن سي‮ ‬إيدير مسؤول في‮ ‬الجيش الفرنسي،‮ ‬وأنه ارتكب‮ ‬غلطة حين لم‮ ‬يقم بإجراءات المراقبة،‮ ‬وهكذا تجاوزنا المركز بسلام‮. ‬وفي‮ ‬حادثة أخرى تنقل سي‮ ‬إيدير إلى حي‮ ‬يسكن فيه مسؤولون في‮ ‬الإدارة الفرنسية،‮ ‬فانتحل صفة مراقب للإجراءات الأمنية المتخذة بالحي،‮ ‬كان رفقة مجاهدين آخرين،‮ ‬كانوا‮ ‬يبحثون عن أسماء الخونة في‮ ‬الحي،‮ ‬من خلال الأسماء التي‮ ‬تكتب بالباب الخارجي‮ ‬لمنازلهم،‮ ‬لكن لسوء الحظ كانت المنازل بدون أسماء،‮ ‬وبطريقة عشوائية طرق سي‮ ‬إيدير احد المنازل،‮ ‬وتحدث مع صاحبه على أنه مراقب جاء للتأكد من الإجراءات الأمنية المتخذة بالمنازل،‮ ‬فتح صاحب المنزل الباب وكانا المجاهدان مختبئين على حواف الباب،‮ ‬فقوبل بطلقة في‮ ‬رأسه،‮ ‬قتل على إثرها،‮ ‬وفي‮ ‬الغد،‮ ‬نقلت الجرائد ان صاحب المنزل هو مدير سجن تيزي‮ ‬وزو‮. ‬
‭*‬‮ ‬هل ألقي‮ ‬القبض على سي‮ ‬إيدير؟
‭-‬‮ ‬ألقي‮ ‬القبض على سي‮ ‬إيدير في‮ ‬فيلا بمزرعة روش،‮ ‬بعد وشاية من قبل أحد المجاهدين،‮ ‬والسبب أن مجاهدا كان رفقة سي‮ ‬إيدير‮ ‬يصحب في‮ ‬كل تنقلاته زوجته وأبنائه،‮ ‬وهو التصرف الذي‮ ‬لم‮ ‬يعجب سي‮ ‬إيدير،‮ ‬وقد حذّره منه كثيرا كونه من شأنه أن‮ ‬يثير الشبهات لدى الجيش الفرنسي،‮ ‬ولكن المجاهد لم‮ ‬يأخذ بالنصيحة وعندما زجره سي‮ ‬إيدير على فعلته،‮ ‬فر إلى الجيش الفرنسي‮ ‬وأخبرهم بمكان اختبائه،‮ ‬وألقي‮ ‬القبض على سي‮ ‬إيدير‮.‬
‭*‬‮ ‬عرفت الثورة أصعب مراحلها في‮ ‬سنة‮ ‬1959،‮ ‬عندما‮ ‬نفّذ الجيش الفرنسي‮ ‬ما‮ ‬يعرف بـ«عملية المنظار‮»‬،‮ ‬وهي‮ ‬العملية التي‮ ‬كلّفت جيش التحرير الوطني‮ ‬كثيرا،‮ ‬خسر على إثرها الكثير من قادته،‮ ‬كيف عشتم تلك المرحلة في‮ ‬منطقتكم؟‮ ‬
‭-‬‮ «‬عملية المنظار‮» ‬كانت سنة‮ ‬1959،‮ ‬وكنت حينها قائد قطاع بني‮ ‬جناد،‮ ‬التي‮ ‬عرفت مثلها مثل كل مناطق الولاية خناقا مشدّدا،‮ ‬سواء على المدنيين في‮ ‬القرى والمداشر أو على جيش التحرير في‮ ‬الغابات والجبال،‮ ‬استعملت فيه القوات الفرنسية كل طاقاتها وإمكانياتها العسكرية،‮ ‬واستحدثت جملة من الإجراءات والتدابير لفصل جيش التحرير عن الشعب،‮ ‬حيث ضاعفت من العقوبات وزادت من وحشية التعذيب على المدنيين،‮ ‬فما كان على جيش التحرير إلا التكيّف مع هذه الإجراءات،‮ ‬بداية بتقسيم وحدات الجيش،‮ ‬الكتيبة والمجموعة،‮ ‬إلى فرق صغير مكونة من أربعة إلى خمسة عناصر‮. ‬وهنا شهادة للتاريخ،‮ ‬فالسكان لم‮ ‬يتخلوا عن مساندة ودعم جيش التحرير،‮ ‬بالرغم من الإجراءات القاسية التي‮ ‬فرضت عليهم،‮ ‬وهم كذلك تكيّفوا مع تلك الإجراءات واستحدثوا من جهتهم طرقا وأساليب جديدة للوصول إلى عناصر جيش التحرير،‮ ‬فبعد منع السكان من التنقل إلى الغابات والجبال،‮ ‬انقلبت الآية وأصبح جنود جيش التحرير‮ ‬ينزلون إلى التجمعات السكنية التي‮ ‬فرضت عليها إجراءات أمنية مشدّدة،‮ ‬وهذا بالطبع بمساعدة السكان،‮ ‬ولكن الفترة كانت أصعب فترة مر بها جيش التحرير الوطني،‮ ‬وعرفت استشهاد الكثير في‮ ‬صفوفنا‮.‬
‭*‬‮ ‬كيف كان الشعب الجزائري‮ ‬يساند جيش التحرير وكيف وقف إلى جانبه،‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬الإجراءات القمعية التي‮ ‬كانت تمارس ضده،‮ ‬وفي‮ ‬ظل الإجراءات الأمنية التي‮ ‬استعملتها الإدارة لفصله عن الثورة؟‮ ‬
‭-‬‮ ‬لقد وقف الشعب الجزائري‮ ‬مع ثورته وقفة بطولية،‮ ‬وسجّل مواقف أسطورية،‮ ‬ولولاه لما نجحت الثورة،‮ ‬وأقول أن مواقف بعض العائلات وشجاعتها كانت تشبه الأساطير،‮ ‬وليس لها مثيل في‮ ‬العالم،‮ ‬وأذكر ذلك الموقف لإحدى العائلات التي‮ ‬كنا نلجأ إليها حينما‮ ‬يشتد علينا الجوع،‮ ‬فكانت تقتسم معنا ما توفر عندها من أكل،‮ ‬وفي‮ ‬يوم من الأيام،‮ ‬دخلنا بيتها ونحن نتضور جوعا،‮ ‬جلست هنيهة،‮ ‬فغرق أفرادها في‮ ‬البكاء،‮ ‬وعندما سألتهم عن السبب،‮ ‬قالوا إنهم لا‮ ‬يملكون ما‮ ‬يطعمونا به،‮ ‬لا نحن ولا أبناؤهم،‮ ‬بعدما اقتسموا معنا كل مؤونتهم حتى أنهم لم‮ ‬يتركوا شيئا لأبنائهم‮. ‬
1365765898

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.