الإخوان المسلمون.. قرن من الصدامات والإعدامات

أوصلوا عبد الناصر للحكم واتهموا بقتل السادات وكادوا يتحالفون مع مبارك

خمس وثمانون سنة مرت منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كانت كافية لأن تهز الجماعة هزّا، وتدخلها في أخطر وأهم امتحان، فقد كانت على الدوام الاختبارات التي تعرض لها إخوان باكستان وسوريا بالخصوص مجرّد "بروفات" مع نسخ للجماعة وليس مع أصلها الذي تأسس عام 1928في الاسماعيلية المصرية، من طرف مرشدها حسن البنا، وتقدمت الجماعة بألوان وتسميات أخرى للحكم، ولكن ليس في قمته وإنما عبر المحليات والبرلمانات في الكويت والأردن وفلسطين والجزائر وتونس والمغرب وحتى في تركيا وباكستان، إلى أن سنحت فرصة العمر لإخوان مصر الذين وجدوا أنفسهم أمام كرسي الحكم، وبعد مخاض قارب القرن جلس أول إخواني على مقعد القيادة وكان باديا أن العالم بأسره يريد لهذه الجماعة أن تبقى في السرّ والكتمان، ولا تصل إلى الحكم إطلاقا، رغم أنها ساهمت في إيصال جمال عبد الناصر إلى الحكم.
قدمت جماعة الإخوان المسلمين لجمال عبد الناصر، شجاعة تحدّي الحكم الملكي في مصر، ولكنه في المنعرج الحاسم عندما تمكن من مقاليد الحكم، أزاحها عن الخارطة السياسية، وأكثر من ذلك أذاقها مرارة أكبر ابتلاء عاشته في تاريخها، فقتل منها الكثيرين وعلى رأسهم السيد قطب، وزجّ بالكثير منهم في غياهب السجون، ومنهم الراحل عمر تلمساني، وحدث أول تصدير لجماعة الإخوان المسلمين إلى الخارج وبالتحديد إلى سوريا، وعندما كان جمال عبد الناصر إخوانيا في الخمسينيات، كانت القاهرة تعج بالكثير من القياديين والمفكرين الجزائريين، حيث أكد "للشروق اليومي" السيد محمد صالح شيروف، رفيق الراحل هواري بومدين، في الدراسة في الأزهر الشريف، بأن بومدين انضم فعلا لجماعة الإخوان المسلمين كما حاضر أمامهم وحضر اجتماعاتهم المفكر الراحل مالك بن نبي، ولم يتردد بن باديس في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، في تبادل الرسائل معهم وخاصة رفيقيه البشير الإبراهيمي والعربي التبسي، اللذين تعرفا على عمر تلمساني، وكان عمر تلمساني يقول لهما أن اسمه يدل على أنه من أصول جزائرية، بل إن أحمد وبن بلة وحسين آيت أحمد أيضا كانا إخوانيين ولو لفترة وجيزة.
وبقيت الجماعة بعد رحيل جمال عبد الناصر، تنشط في السرّ ولكنها أعلنت تمردها منذ أن زار الرئيس أنور السادات، تل أبيب وأعلن رفقة ميناحيم بيغن وجيمي كارتر اتفاقية كامب ديفيد للسلام، التي أخرجت مصر من منظومة مقاومة العدو الأول، حيث ظل العالم الإسلامي يحترم الجماعة، ورآى أن همّها الأول هو قضية القدس الشريف،
وعقب اغتيال السادات تقلّد حسني مبارك، مقاليد الحكم، ليعلن الرئيس السابق شبه هدنة مع الجماعة، حيث أصبح بمقدور مرشدها في بداية عهدة حسني مبارك عمر تلمساني الظهور إعلاميا، وحتى كتابة مذكراته التي بيعت في القاهرة، لتجد الجماعة نفسها في هدنة إجبارية بعد أن أطلق حسني مبارك سراح كل ناشطيها، وسمح لها حتى بالنشاط ضمن أحزاب أخرى كما حدث في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما قام حزب الوفد، بضم العديد من رجالات الإخوان المسلمين ولكن التجربة فشلت عندما انقلب الوفديون على الإخوان.
عاشت مصر منذ عام 1952 ثلاث حقبات لرؤساء دخلوا حروبا خارجية، ومعارك داخلية وجميعهم ترك الإخوان خارج مجال الاهتمام من الحرب الثلاثية على مصر التي أعلنها الثالوث إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، إلى نكبة 1967 إلى حرب العبور عام 1973، حيث بقي الإخوان خارج المعادلة رغم رغبتهم الجامحة في المشاركة في معركة الشرف العربي، ولكنهم في مرحلة السلام ظلوا على الهامش اختياريا، ورفضوا هذه المعادلة، وبقي جمال عبد الناصر أشد أعدائهم لأنه أكبر من قهرهم ووصفوه دائما بالخائن الذي استعملهم لبلوغ السلطة، ثم قتل أكبر رجالاتهم ومنهم مفسر القرآن الكريم صاحب في ظِلال القرآن، وإذا كانت فترة جمال عبد الناصر، قد امتدت لثمانية عشرة سنة، وفترة أنور السادات امتدت لأحد عشرة سنة، وفترة حسني مبارك جاوزت الثلاثين سنة، فإن فترة أول إخواني لم تزد عن السنة. 
هؤلاء شهداء الإخوان المسلمين في مصر
بغض النظر عن الاتفاق معهم او الاختلاف في مواقفهم وسياساتهم، الأمر الذي لا يمكن المماراة فيه او الجدال، ان الإخوان المسلمين رجال عقيدة ومبدأ وليس أدل على ذلك من تقدمهم لحبال المشانق ورصاص الإعدام وعشرات السنين في السجون وهم ثابتون لا يهتز لهم جنان.. كان الشهداء الأوائل من جماعة اإخوان المسلمين هم من سقطوا على ثرى فلسطين إبان جهاد الإخوان ضد العصابات الصهيونية بعد ان سلم الإنجليز فلسطين لشذاذ الآفاق من الصهاينة.. وبعدها بدأ مسلسل اغتيال او قتل واعدام قيادات الإخوان على مدار ثمانين عاما  .
حسن البنا
يمكن ذكر عدد من قيادات الإخوان الذين تم اعدامهم على مدار السنوات السابقة والتي ظل الإخوان فيها ممنوعين من الحركة والعمل السياسي، ولقد قدم الإخوان المسلمون زعيمهم المرشد العام للإخوان المسلمين الأول حسن البنا وهو المؤسس لحركة الإخوان المسلمين والذي اغتيل في21 فبراير 1949 امام مقر جمعية الشبان المسلمين، ولم يتم اسعافه الا بعد تصفية دمه كاملا، وكان مقتل البنا هو بداية التاريخ الدامي للإخوان المسلمين.. ومن المعلوم ان البنا قاد اكبر عملية بناء تنظيمي متنوع المهمات في مرحلة قياسية تمكن من خلالها ارساء معالم اكبر حركة سياسية مزودة بقدرات ذاتية على الاستمرار والصمود ويجمع كل من درس تجربة الإخوان ان الرجل كان عبقريا بدرجة غير عادية، حيث قام ابن الأربع وعشرين عاما بتأسيس حركة استوت على الجودي ولم يكمل بعد الأربعين عاما.. ولقد قال عنه روبرت جاكسون المستشرق الامريكي: لو قدر لهذا الشاب ان يستمر في الحياة فإنه سيغير ملامح المشرق كله. 

الشيخ محمد فرغلي
هو القائد الإخواني الكبير والنائب للإمام حسن البنا والذي قاد كتائب المجاهدين الإخوان المسلمين في حربهم في فلسطين، وكان للقائد الإخواني دور بارز في نجدة الجيش المصري عندما حوصر في منطقة الفالوجا بفلسطين وفي الحرب في فلسطين تمكن الشيخ من إظهار قدرات خارقة في التخطيط والقيادة في حرب عصابات تبناها الإخوان المسلمون ضد العصابات الصهيونية، وقد خصص الانكليز خمسة آلاف جنيه لمن يأتي برأسه بعد أن خاض قتالا مستبسلا ضد الانكليز في قناة السويس، حيث اكد البنا ان الحرب ليست حرب جيوش، انما هي حرب عصابات، وكان الشيخ فرغلي من القيادات الكبيرة في الإخوان المسلمين تم اعتقاله سنة 1954 وصدر ضده حكم بالإعدام نفذ فيه في العام نفسه. 

إعدام عبد القادر عودة
هو الشخصية المهمة في قيادة الإخوان المستشار عبد القادر عودة، صاحب كتاب التشريع الجنائي في الاسلام والمتميز بعبقريته الاجتهادية والقائد المتميز في قيادة الإخوان، وانتقم منه النظام انه سير المسيرات الضخمة ضد رئاسة المجلس العسكري مطالبا بترسيخ الشرعية والإبقاء على محمد نجيب رئيسا، فما كان من المجلس العسكري بعد ان انفضت المظاهرات ان اعتقلوه وأعدموه. 





الشيخ محمد الأودن
هو العالم الأزهري الثمانيني، مفسر القرآن والشهير ببركة نزلت عليه وهو في الزنزانة عندما ادخلوا عليه كلبا مفترسا لينهش لحمه، فيما كان ساجدا يصلي لربه واذا بالكلب المفترس المكلف بالمهمة الشيطانية يجلس بجوار الشيخ ويصبح كالأرنب الوديع.. لم يراعوا كبر الشيخ وكرامته وقيمته العلمية فأعدموه في محكمة صورية، وكان يوما فاجعا للمصريين وللعلماء، ولم يكن خبر مقتل الأودن الا يوما من الأيام السوداء في تاريخ مصر والعلماء وكرامة الانسان.. 
منير الدلة
هو الشخصية الفعالة داخل تنظيم الإخوان وأحد قياداتهم المتميزين على مستوى العقلية والتفكير الاستراتيجي وأحد اهم دعاة العمل السياسي السلمي والرافض لكل عنف في مواجهة النظام العسكري والذي كان يروج داخل بعض من شباب التنظيم العسكري للإخوان والذي كان رمزا من رموز المعتقلين في السجون، وكان فاعلا بين اخوانه المساجين ورمزا بينهم، تمت تصفيته مع عديد من قيادات الإخوان في مجزرة السجون بإطلاق النار عليهم من قبل عساكر السجن.
عبد الفتاح اسماعيل ويوسف طلعت والهواش
هم ثلاثة من قيادات الإخوان الذين اخذوا على عاتقهم اعادة تنظيم الإخوان بعد ان أفرج عنهم في بداية الستينات واستطاعوا خلال فترة وجيزة استعادة تكوين النوى الأساسية للإخوان المسلمين من جديد، وتم التوسع لتكون هذه الحركة خلال ايام قليلة من اعادة التنظيم رقما مهما في الساحة، حيث اصبحت التربة موائمة تماما بعد جهود جبارة بذلتها الأجيال السابقة في غرس بذور الجماعة في التربة المصرية.. تم اعتقالهم في سنة 1965 والحكم عليهم بالإعدام والذي تم تنفيذه فورا. 
ملحمة سيد قطب
هو المفكر الاسلامي المتميز وهو الأديب والشاعر والناقد الأدبي الكبير، صاحب المدرسة المتميزة في النقد الأدبي، وهو رئيس تحرير صحيفة الإخوان المسلمين تم اعتقاله في 1954 مع انه كان مقربا جدا من الضباط الأحرار وهو من قدم لهم اطارا نظريا وثقافيا وفكريا لانطلاق عمليتهم العسكرية ضد النظام الملكي والإقطاع.. ولقد خاض سيد قطب معركة شرسة ضد الإقطاع المصري قبيل الاعلان عن ثورة 23 يوليو 1954 وكان للضباط الأحرار لقاءات متكررة معه في بيته بمنطقة حلوان يشرح لهم كتابه "العدالة الاجتماعية في الاسلام".. سيد قطب مفسر القرآن بأسلوب ادبي رصين في عدة مجلدات بعنوان "في ظلال القران" وصاحب المكتبة المتميزة في الفكر الاسلامي، جعلته يأخذ مكانة المفكر الاسلامي الأكثر تأثيرا في ساحة العمل الاسلامي، والذي لم يشاركه فيها بعد اي من المفكرين الاسلاميين.. ألقي القبض عليه بعد ان تم الإفراج عنه في منتصف الستينات، وتم الحكم عليه بالإعدام شنقا وتدخلت الجزائر والرئيس هواري بومدين من خلال وزير الخارجية الجزائري حينذاك السيد عبدالعزيز بوتفليقة للإفراج عنه، كما تدخل الرئيس العراقي عبدالسلام عارف وكثير من الشخصيات والجمعيات التي ناشدت حاكم مصر بالإفراج عنه، الا ان الدولة المصرية لم تستمع لأصوات التوسط فنفذت فيه حكم الإعدام شنقا.. ولاقى ربه مظلوما في شهر اوت سنة 1966. 
كمال السنانيري
هو أحد القيادات الإخوانية الذين طالتهم الاعتقالات الأولى في عهد عبدالناصر فقضى في السجن سنوات طويلة، وكان صديقا لسيد قطب، وعند الإفراج عنه في بداية السبعينات، تزوج من اخت سيد قطب.. ولكنه بعد سنوات أودع السجون المصرية بتهم لم تفصح عنها الدولة المصرية، ولكن الملاحظ ان للرجل قدرة فائقة في القيادة والتنظيم والتعبئة، حيث كان الإخوان بصدد اعادة وجودهم بقوة على مسرح الأحداث، ولذا كان اعتقاله بعد ان اصبح كامب ديفد قائما في السياسة المصرية، وتمت تصفيته في زنزانته، واعتبر مقتله ضربة نجلاء في تنظيم الإخوان لما له من مكانة وقدرة.. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.