ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال


خان وطنه من أجلها فتنكرت له

الباشاغا بوعلام

                                             الباشاغا بوعلام

بعد صدور إعلان ثورة أول نوفمبر، وقف أغلب "الباشاوات" ضدها، وانحازوا للعمل مع العدو على العمل مع إخوانهم حفاظا على مكانتهم القيادية وامتيازاتهم التي اكتسبوها قبل الثورة، إلا أن التاريخ يسجِّل "باشاوات" وقفوا إلى جانب الثورة نذكر منهم على سبيل المثال الباشاغا أحمد إبراهيمي باشاغا عين بسام وعين بوسيف، إلا أن أغلبهم انبرى للعمالة لصالح فرنسا، بل وقدموا خدمات جليلة للمستعمر الذي لفظهم ولم يكن عطاؤه في مستوى عمالتهم، ومنهم بن سالم التواتي في الأوراس، وخليفة العلوي ببسكرة، بودعة محمد باشاغا وهران، عفان بشير في البيض، وغيرهم، إلا أن أشهرهم وأكثرهم قوة كان الباشاغا بوعلام الذي ستكتشفونه من خلال القصة التي نسردها عليكم، فمن هو الباشاغا بوعلام؟

نشأته
ولد بوعلام سعيد المدعو بوعلام باشاغا في 02 / 10 / 1906 بسوق أهراس، وكان أبوه مجندا في الجيش الفرنسي فأدخله مدرسة أشبال الجيش الفرنسي وعمره لم يتجاوز 13 سنة من العام 1919 إلى غاية 1924، بمدينتين فرنسيتين، وأصبح بعدها ضابطا في الجيش الفرنسي بالفيلق الأول للقناصة الجزائريين. وخلال الحرب العالمية الثانية حصل على رتبة نقيب، ثم رُقي إلى رتبة رائد لفيلق الشرف، كما نال عدة ألقاب منها: صليب الحرب، صليب المقاتل، وصليب الاستحقاق العسكري.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عُيِّن بوعلام باشاغا قائد خدمات مدنية بدوار بني بوعتاب بالشلف، ثم مسؤولا عن دوار بني بودوان بولاية عين الدفلى، وفي جويلية 1956 أصبح مسؤولا عن الحركة في منطقة الونشريس، ثم عضوا مسيرا ضمن منظمة الجيش الفرنسي السرية الإجرامية ابتداءً من فيفري، ومارس 1962 تحت إشراف العقيد جون غارد، والتي قامت بعمليات إرهابية كثيرة لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار بين فرنسا وجبهة التحرير وإبقاء "الجزائر فرنسية"، وقد فقد  الباشاغا بوعلام 17 فردا من عائلته بما فيهم ابنه عبد القادر خلال تواجده بالجزائر، وتعرّض لسلسلة محاولات اغتيال فاشلة خلال الثورة، وتوفي بفرنسا في 08 فيفري 1982
من أشهر مؤلفاته: "وطني فرنسا" و"الحركى في خدمة فرنسا" و"الجزائر دون فرنسا" وقد صدرت بين 1962 و1964.

نشاطه السياسي
وصل عدد المقاتلين المنضوين تحت لواء الباشاغا بوعلام إلى حدود 1000 مقاتل، وزَّعهم على فرق أوكل إليها جملة من المهامّ كان من أبرزها، فضلا عن حماية ممتلكاته وأراضيه الشاسعة، الحيلولة دون توسّع نفوذ وتواجد جبهة وجيش التحرير الوطني بمنطقة الونشريس، وسبَّبت قوَّتُه متاعبَ جمّة لمجاهدي جيش التحرير الذين اضطرهم الوضعُ الميداني القائم وقتها إلى قطع 150 كلم إضافية كي يتجنبوا المواجهات المباشرة مع قوات الباشاغا.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عين بوعلام باشاغا عام 1945 قائد خدمات مدنية بدوار بني بوعتاب بالشلف، ثم مسؤولا عن دوار بني بودوان بولاية عين الدفلى، عين آغا عام 1955، وبعدها بسنة أصبح باشاغا، وبعد انقلاب عام 1958 انضم إلى الجنرال ديغول، ليُنتخب نائباً بالبرلمان الفرنسي عن الدائرة الخامسة بالجزائر (الشلف حاليا) في 30 نوفمبر 1958، عن قائمة الاتحاد الوطني للتوحيد والتجديد، فنائباً لرئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، ونال أيضا كرسيا ضمن ما عُرف بمجموعة منتخبي التشكيلة الإدارية لمنتخبي الجزائر والصحراء، ليُنتخب رئيساً لبلدية بني بودوان بعين الدفلى ومستشارا عاما لـ"مقاطعة" الشلف عام 1959، وفي 16 جوان 1960 أشرف على تأسيس ما سماه "جبهة الجزائر الفرنسية" والتي ضمَّت سريعا 500 ألف منضمّ بينهم 200 ألف جزائري، لتصل إلى مليون منخرط قبل حلها شهر ديسمبر من نفس السنة، وقد انسحب الباشاغا بوعلام رفقة عائلته وجمع من أنصاره إلى منطقة "كمارغ"، وهناك تزعَّم ما سماه "الجبهة الوطنية للمرحّلين الفرنسيين للطائفة المسلمة" وهم (الحركى الذين رحلوا مع الجيش  والمعمرين)، وعلى هذا الأساس تم تعيينه في اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة مشاكل "الفرنسيين المسلمين" عام 1979.

نشاطُه العسكري ضد الثورة
جاهر الباشاغا بوعلام بنشاطه العسكري ضد مجاهدي جيش التحرير الوطني، وذكره في كتابه الشهير "وطني فرنسا"، حيث كان يعتقد أن الثورة المباركة بدت له كـ"تمرد بسيط" من السهل القضاء عليه واحتواؤه، بل وانتقد تعاطي فرنسا مع ما سماه "التمرُّد"، ورأى أن "رد فعل فرنسا لم يكن بالسرعة المطلوبة".
في بداية نشاطه العسكري لم يتعدَّ عمله حد "حماية" المنطقة التي كان يقطن بها، ونعني بها دوار بني بودوان بعين الدفلى، فجند لهذا الغرض 24 فردا هم حراسه في الأصل، لكن تسليحهم كان بسيطاً، ما دفعه لطلب السلاح من المستعمِر الفرنسي، لكن طلبه قوبل بالرفض في بداية الأمر ولم يسمح له حتى بشراء الأسلحة، ومع تقديمه لخدمات "جليلة" لفرنسا وتبليغه عن تحرُّكات "المقاتلين من أجل الحرية" التابعين للحزب الشيوعي الجزائري، والذين كان من بينهم هنري مايو وفق ما جاء في كتابه "وطني فرنسا"، سمح له الاستعمار بتسليح مناصريه، وشرع في حربه ضد جنود جيش التحرير الوطني، فأسس لهذا الغرض بدوار بني بودوان دائما، فوجاً من المقاتلين الحركى قوامه 100 مقاتل، أغلبهم من قدماء المحاربين بالجيش الفرنسي المدرَّبين جيداً، ولم يكن معهم سوى بنادق صيد، ليؤسس بعدها وحدة من "الحركى" تحت إشراف الجنرال "بويسون دوبري" قائد المنطقة والذي عيّن النقيب أنتيك من وحدة صاعقة المخابرات مساعدا للباشاغا بوعلام، حتى يكون تحت مراقبته وتصرفه وكان  تعداد الوحدة 300 عنصر تحسَّن تسليحهم بالرشاشات، ليصل عدد المقاتلين المنضوين تحت لوائه إلى حدود 1000 مقاتل، وزَّعهم على فرق أوكل إليها جملة من المهامّ كان من أبرزها، فضلا عن حماية ممتلكاته وأراضيه الشاسعة، الحيلولة دون توسّع نفوذ وتواجد جبهة وجيش التحرير الوطني بمنطقة الونشريس، وسبَّبت قوَّتُه متاعبَ جمّة لمجاهدي جيش التحرير الذين اضطرهم الوضعُ الميداني القائم وقتها إلى قطع 150 كلم إضافية كي يتجنبوا المواجهات المباشرة مع قوات الباشاغا.

الباشاغا وكوبيس جنباً إلى جنب
نسَّق الباشاغا بوعلام عسكرياً مع العميل كوبيس، وفي هذا يذكر الرائد لخضر بورقعة أن الخائنين تحالفا ومارس جنودُهما ضغوطا على سكان منطقة الونشريس وزكار كي لا يتعاونوا مع مجاهدي جيش التحرير، وكانت قواتهما تراقب تحركات جيش التحرير في المناطق المتاخمة لدوار بني بودوان، ودعّم الباشاغا كوبيس في بداية تأسيسه لجيشه العميل بـ150 مجند، كما كان الباشاغا يرسل جنوده إلى منطقة تواجد جيش كوبيس، وهنا ذكر الباشاغا في كتابه "وطني فرنسا" أن كوبيس كان يدّعي أمام مجنديه أنه وجيشه هم "الممثلون الحقيقيون للجزائريين؟"، وأنهم "يقاتلون لأجل استقلال الجزائر؟"، وكان يتهم مجاهدي جيش التحرير بأنهم "مقاتلون يريدون سرقة انتصارهم"، من خلال ارتداء ألبسة مماثلة للباس جنوده واستعمالهم لخطط مثل تلك التي يعدُّها هو، وزعم أيضاً أن جنود جيش التحرير "لا يسعون إلى مصلحة الجزائر"، ونجح كوبيس إلى حدِّ ما في تضليل الناس على اعتبار أنه كان يملك قدراتٍ خطابية مؤثرة، ولثقة الناس فيه من منطلق نضاله القديم في الحركة الوطنية.

تلاشي قوة الباشاغا 
لوضعه تحت ضغوط نفسية مستمرّة قامت الجبهة بتصفية عددٍ من أقاربه، تشير مصادر فرنسية إلى أن عددهم بلغ 17 فرداً كانوا يساعدونه في خيانة بلده، من بينهم ابنه عبد القادر الذي صفته الجبهة بمسلك وعر بمنطقة مولاي عبد القادر في 08 جانفي 1958، ونفس المصير لقيه شقيقه بمنطقة تاويرة رمياً بالرصاص، لكن الباشاغا المغرور لم يكترث، بل ومما يذكره في كتابه نفسه أنه "سيظل فرنسياً" رغم أنه دفع ثمن ذلك حياة ابنه و17 من عائلته الصغيرة و15 من عائلته الموسَّعة و300 مقاتل من جنوده.
يذكر لخضر بورقعة في مذكراته أن جبهة التحرير الوطني صنفت بوعلام باشاغا كعميل وقررت تصفيته جسدياً، وهددته عبر سلسلة رسائل بعثت بها إليه، وقامت في سبيل تحقيق ذلك بعدة محاولات لم تكلل بالنجاح، ومنها واحدة نفذت في 26 سبتمبر من العام 1959 لكنه نجا منها، ولوضعه تحت ضغوط نفسية مستمرّة قامت الجبهة بتصفية عددٍ من أقاربه، تشير مصادر فرنسية إلى أن عددهم بلغ 17 فرداً كانوا يساعدونه في خيانة بلده، من بينهم ابنه عبد القادر الذي صفته الجبهة بمسلك وعر بمنطقة مولاي عبد القادر في 08 جانفي 1958، ونفس المصير لقيه شقيقه بمنطقة تاويرة رمياً بالرصاص، لكن الباشاغا المغرور لم يكترث، بل ومما يذكره في كتابه نفسه أنه "سيظل فرنسياً" رغم أنه دفع ثمن ذلك حياة ابنه و17 من عائلته الصغيرة و15 من عائلته الموسَّعة و300 مقاتل من جنوده.
كان الباشاغا يحلم بل ويريد أن تبقى الجزائر فرنسية، بل وأراد أن يكون كاثوليكياً أكثر من البابا عندما صرح للجنرال ديغول لدى انضمامه إليه قائلا "أريد أن أكون فرنسياً"، لكن ضربات جبهة التحرير الوطني القاصمة على جبهة القتال جعلتها تفرض منطقها وشروطها، وتسيِّر المفاوضات مع المستعمر الذي اضطر لإجراء تصويت في 08 جانفي 1961 الذي منح تفويضا لرئيس فرنسا كي يجد حلا لأزمة الفرنسيين في الجزائر، واقتصر الاستفتاء على الفرنسيين دون سواهم، وهو ما لم يرُق للباشاغا الذي بدأ يتخبّط، وحاول يائساً معاكسة المستجدات السياسية للقضية الجزائرية، فتحالف مع بعض قادة المنظمة السرية الإجرامية للجيش الفرنسي غداة وقف إطلاق النار، لتأسيس وحدة عسكرية بمنطقة الونشريس وهو ما لم يُكلَّل بالنجاح، لسببين هما فطنة جبهة التحرير الوطني وتواجدها بالمنطقة، وتدخُّل الجيش الفرنسي للحيلولة دون تشكيل هذه الوحدة، وهو ما شكل صفعة للعميل الباشاغا، لتقوم فرنسا بتجريد أتباعه من أسلحتهم، وانسحبت القوات الفرنسية من المنطقة، في حين كانت قوات جيش التحرير على عتبات مزرعته الكبيرة وفق ما يذكره الباشاغا في كتابه، ولم يبق له بعدها سوى الفرار إلى فرنسا، التي أمَّنت خروجه هو ومجموعة من أتباعه إلى فرنسا قبل أن يصفيه المجاهدون، وهناك مُنح 40 هكتارا من الأراضي كي ينجز فيها مشروعا فلاحيا، وواجه مشروعه هذا عراقيل كثيرة وفق تصريحه هو في حوار صحفي أجري معه في 27 / 05 / 1962، إذ اشتكى من مشكل عدم منح التأشيرة وشهادات العمل لـ72 شخصاً كانوا سيلتحقون بالمشروع من الجزائر، وكنتيجة منطقية لإعلان استقلال الجزائر، تم إلغاء مناصب النيابة التي كان يشغلها جزائريون في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) وعددها 102 لأنهم لم يعودوا مواطنين فرنسيين، ليتحول الباشاغا إلى نكرة سياسية، واعترف الباشاغا في كتابه أنه ليس متأكدا من اعتراف فرنسا بـ"تضحياته" من أجلها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.