رحيل شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله عن عمر ناهز 83 سنة

رفض الوزارة وإختار أن يكون متعبدا في محراب التاريخ




في جو مهيب مليء بالحزن والأسى ودعت الجزائر أمس، واحدا من علمائها وشيوخها الأفذاذ، وهو الدكتور العلامة أبو القاسم سعد الله، الملقب بشيخ المؤرخين الذي انتقل إلى جوار ربه بالمستشفى العسكري بعين النعجة بعد صراع مرير مع المرض.
المرحوم العلانة أبو القاسم سعد الله
المرحوم أبو القاسم سعد الله
 وهو العملاق الذي وهب حياته للوطن إلى آخر أيام عمره، رغم المرض الذي ألزمه الفراش منذ أشهر دون أن ينتبه لمرضه أحد من ساسة ونخبة هذا الوطن.
 بيت الفقيد الواقع بحي البناء بدالي إبراهيم كان فيه تواجد كبير للمثقفين من تلامذته ورفقائه وحتى من شيوخ العلم والمعرفة في بلادنا، والذين حرصوا على التواجد ببيته بالرغم من تأخر وصول جثمانه من المستشفى بسبب بعض الإجراءات الإدارية. ترددنا في دخول المنزل للوهلة الأولى من أجل لقاء زوجته ورفيقة عمره، إلا أن صهره وهو شقيق زوجته اقترب وطلب منا الدخول، كما طلب من ابنه مرافقتنا إلى داخل البيت الذي رحل إليه الدكتور أبو القاسم سعد الله، حديثا رفقة عائلته، ورغم ذلك إلا أننا لم نتمكن من مقابلة زوجته ورفيقة عمره التي مازالت تحت وقع صدمة رحيل رفيق دربها وزوجها وأخبرتنا أختها "أنها ليست في الحالة التي تسمح لها بالحديث عن رفيق دربها، وكما بقيت في الظل طيلة حياته كذلك قررت بعد موته"، تفهمنا الموقف بالنظر إلى حجم الفاجعة التي ألمّت بكل عائلة الفقيد، الذي كان الأب الحنون والجد والمعلم والمربي والعالم المتواضع، ولأن ابنه الوحيد كان غائبا حاولنا الحديث مع صهره، الذي أخبرنا أن زوج أخته أبو القاسم سعد الله، رحل إلى هذا البيت الذي سماه "بيت الأردن" بعد عودته من  المملكة الهاشمية سنة 2002، وأنه كلفه بتولي بناء البيت الوحيد الذي امتلكه حديثا، وكان يرسل له المال من أجل بناء بيت على القطعة الأرضية التي حصل عليها في إطار العقار الذي استفاد منه أساتذة التعليم العالي، وحاله تشبه حال ملايين الجزائريين الذين يعانون مشاكل متشابهة يوميا.
لم نتمكن من لقاء ابنه الوحيد بسبب تواجده بالمستشفى من أجل إجراءات نقل أبيه إلى البيت، وتجدر الإشارة إلى أن جثمان الدكتور أبو القاسم سعد الله، سيوارى يوم غد الأحد الثرى بمسقط رأسه بڤمار.

سعد الله.. صوفي في محراب التاريخ
بوفاة الدكتور أبو القاسم سعد الله، تُطوى صفحة من صفحات كتاب أعلام الجزائر، الذين تركوا بصماتهم على تاريخها الفكري والثقافي والأكاديمي. وُلد المرحوم بتاريخ 1930/07/01م بضواحي ڤمار (وادي سوف)، وقبل أن يصبح مؤرخا وباحثا ذائع الصيت، حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين من رجالات الإصلاح الاجتماعي والديني، عايش جمعية العلماء المسلمين، وباشر الحركة التعليمية في مدارسها، هاجر إلى تونس سنة 1947م. حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة مينوسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1965، وقبلها كان قد درس في جامعة القاهرة ونال شهادة الماجستير فيها سنة 1962، ومن الألقاب التي ظلّت لصيقة بالدكتور أبو القاسم سعد الله، لقب "شيخ المؤرخين الجزائريين"، وبالفعل استحقّ هذا اللّقب بلا منازع.
للدكتور أبو القاسم سعد الله، كتب ودراسات ومقالات عديدة، وقد جمع بعضها في كتابه الشهير: "أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر" ويقع في خمسة مجلدات، والأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله، ظل يمارس العمل الصحفي ويكتب المقالات للصحف والمجلات. ويٌعد من رجالات الفكر والثقافة والصحافة والإصلاح في الجزائر، وإضافة إلى إتقان الدكتور سعد الله اللغة العربية، فهو يتقن عددا من اللغات الأخرى على غرار اللغة الفرنسية، والإنجليزية، وهو دارس للفارسية والألمانية.
من أهم مؤلفات الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله، موسوعته الشهيرة تاريخ الجزائر الثقافي (9 مجلدات) الصادرة عن دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998، إضافة إلى "أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر" (5 أجزاء) دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993-1996-2004، الحركة الوطنية الجزائرية (4 أجزاء)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1969-1992-1997، بحوث في التاريخ العربي الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2003 ...، وغيرها كثير.
أما في مجال الأدب فقد أبدع سعد الله ديوانه "الزمن الأخضر" الصادر بالجزائر سنة 1985، إضافة إلى عدد من المؤلفات الأدبية على غرار "سعفة خضراء"، المؤسسة الوطنية، الجزائر 1986، دراسات في الأدب الجزائري الحديث، دار الآداب، بيروت 1966، تجارب في الأدب والرحلة، المؤسسة الوطنية الجزائر 1982، قضايا شائكة دار الغرب الإسلامي بيروت 1989، في الجدل الثقافي دار المعارف تونس 1993، هموم حضارية دار الأمة الجزائر 1993.
ومن تحقيقاته "حكاية العشّاق في الحب والاشتياق"، الأمير مصطفى بن إبراهيم باشا، الجزائر 1982، رحلة ابن حمادوش الجزائري الجزائر 1982.
ومن ترجماته "شعوب وقوميات" الجزائر 1958، الجزائر وأوروبا، جون ب. وولف، الجزائر 1986، حياة الأمير عبد القادر، شارل هنري تشرشل، الجزائر ــ تونس 1982.
وإضافة إلى هذا الإرث العلمي الزاخر الذي تركه الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله، وإلى مئات الطلبة وربما الآلاف الذين تتلمذوا على يديه سواء بجامعة الجزائر، أو عن طريق ما تركه من مؤلفات علمية، عاش المرحوم مدافعا عن القيم والثوابت الوطنية، وقد كان له حضور كبير على الساحتين العربية والدولية، اشتهر فيها بمواقفه العلمية والفكرية المعتدلة،رحم الله سعد الله، وأسكنه فسيح جنانه.

عالم يرفض الأضواء وشعاره "نكران الذات"
 "إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء"، قول منسوب إلى سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، تمثلته أمس، حينما بلغني نعي  شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله، الذي رحل عن عمر ناهز 83 عاما، قضاها دون كلل ولا ملل طالبا ومدرسا وباحثا ومؤلفا، يصطاد جواهر التاريخ الوطني في أرجاء المعمورة الفسيحة.. فما ترك عبر القارات الخمس، متحفا ولا مركزا علميّا ولا جامعة عالمية تحوي وثائق أو مخطوطات قديمة تتعلق بماضي الجزائر القريب والبعيد، إلا وحط بها رحاله، منقّبا عن مآثر وآثار هذه البلاد التي عشقها منذ صغره، فعاش صوفيا متبتلا في محراب تاريخها التليد، ينفض عنه غبار الطمس والنسيان والتنكر.
ولأجل تلك المهمة الجليلة التي تفرغ لها بإخلاص، رفض كل المناصب السياسية والمسؤوليات الرسمية التي تصرفه عن همّه النبيل، فقدم للجزائر بمفرده وجهده الشخصي ما عجزت كافة المؤسسات العلمية عن إنجازه طيلة عقود. ويكفيه شرفا وفخرا أنه جمع بعد سنوات طويلة من البحث والتمحيص "تاريخ الجزائر الثقافي" في تسعة مجلدات.
وهو الحقل المعرفي السحيق الذي لم يطرقه سواه، لأنه خشي أن يجهل العالم إسهام الجزائر الثقافي في مجرى الحضارة الإنسانية عندما يُقرن تاريخها فقط بالبطولات الحربية والثورات العسكرية عبر القرون.
ونقل مقربون من المرحوم ان الجنرال الراحل العربي بلخير قد استجداه في الكثير من المرات ليتقلد منصب وزير الجامعات والتعليم العالي لكن سعد الله كان يردد دائما: "أنا لم أخلق إلا للبحث العلمي".
لا أظنّ أن رحم الجزائر ستلد رجلا آخر في مقام هذا العالم الكبير. ففقدانه اليوم  هو ثلمة غائرة ستتهدم على أنقاضها عرى عديدة من تاريخ الجزائر، مع هذه الرفعة السامية والمشوار الحافل بالعطاء. فقد تميز الرجل بأخلاق العلماء الكبار الذين يتسمون بالتواضع ونبذ الشهرة والهروب من الأضواء التي لاحقته باستمرار، لكنه كان أسمى من الوقوع في درك الغرور وتقديس الذات.
زرته في شهر مارس من عام 2007 في مكتبه بالمركز الوطني للبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، بأعالي الأبيار، وجدته عند مدخل الباب ينتظرني في الموعد المحدد بالدقيقة، لأنه لا يستقبل ضيوفه وهو جالس فوق أريكته على طريقة المسؤولين، بل ينهض من مكانه ويتقدم للترحيب بزوّاره احتراما لهم.
صافحته ثم هممت بتقبيل ناصيته كما يفعل الناس عندنا احتفاء بأهل العلم، فرجع قليلا إلى الخلف، وأبى عليّ ذلك، ثم خاطبني: "أعزّك الله يا بني".
جلست إلى جنبه ثلاث ساعات كاملة، وتشعّب بنا الحديث الشيق عن أبحاثه ومؤلفاته ومسيرته العلمية، من مسقط الرأس بمدينة قمار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مرورا بالزيتونة والأزهر وبغداد، لكني وجدت نفسي أمام عالم يتحفظ جدا في الحديث عن ذاته.
فكنت المتحدث وهو المستمع! وأقصى ما يهمس به، هو أن يؤكد معلومة أو يصوّب أخرى، ولم يتلفظ طيلة المجلس الذي جمعنا بكلمة واحدة، لا بالفرنسية ولا بالإنجليزية ولا بالفارسية ولا بالألمانية، وهي اللغات التي أتقنها جميعها بهدف التمكن من الغوص في أعماق التاريخ الوطني، بل كان حريصًا على الكلام العربي الفصيح، وإن شذّ عن ذلك، نطق بلهجة محليّة من وادي سوف، ما زال يرطّب بها لسانه الذي لم يتبدّل بعد 60 عاما من الغربة.
وفي غضون ذلك المجلس الطيب الذي سكب عليه من عطر روحه الزكية بنفحات العلم، أبلغتُ عالمنا الجليل أنه قد وقع عليه الاختيار من طرف اتحاد الطلبة لنيل "وسام الاستحقاق السنوي"، كأهم شخصية جزائرية خدمت الثقافة، وأن عليه حضور مراسيم الحفل البروتوكولي لاستلام الوسام الذي سيغطيه التلفزيون وتشارك فيه شخصيات حكومية.. لمحت التأثر الواضح في نظرات عيونه، شكرني على المبادرة، لكنه رفض أن يشاركنا الاحتفالية، مؤكدا لي أنه لا يستحق التكريم جزاء خدمته للثقافة! ثم اعتذر بلباقة، قائلا إن وقته لا يسمح بذلك، وحتى لا يحملني على العودة بخفيّ حنين، فأخرجَ من عنده منزعجا، أبدى لي عمدة المؤرخين الاستعداد لتقديم محاضرة مفيدة للطلبة في مناسبة أخرى، ما جعلني أفهم أن الرجل لا يحبّ الأضواء ويتحاشى مجالس المديح والثنايا. وقتها صدقت فعلا تلك الرواية المتداولة على نطاق واسع، والتي مفادها أن الدكتور أبا القاسم سعد الله رفض رفضا قاطعا أن يتولّى شؤون وزارة الثقافة بعد إلحاح شديد من المرحوم قاصدي مرباح.. إنها أخلاق العلماء الكبار الذين يتواضعون بسموّ منزلتهم، ولا تزيدهم شهرتهم إلا تقديرا وتشبّثا بمكانة ونزاهة وشفافية رجل العلم الخالص.
رحم الله الشيخ سعد الله، وعوض الجزائر في مصيبتها وتاريخها خيرا.

أهل سوف تحت الصدمة
أبو القاسم سعد الله يوصي بحبس مكتبته لدار الثقافة بالوادي
بدأ شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله، تعليمه الأول بمسجد منطقة لبدوع قرب مدينة ڤمار بولاية الوادي، وسط غيطان النخيل أو ما كان يعرف بالمصائف، أين كانت العائلات تعود إلى وسط البلدة شتاءا وفي مزارع النخيل صيفا تناسبا مع الطبيعة والمناخ، وكان الطلبة يزاولون تدريسهم للناس ولحفظة القرآن في تلك المصائف.
وتتلمذ في المسجد على يد الطالب سي بلقاسم الزبيري، والطالب حسن لشلح وهما من معلمي القرآن وشيوخ البلدة القديمة، قبل أن يدخل مدرسة النجاح التابعة لجمعية العلماء وسط البلدة، وهي من أهم المدارس التعليمية آنذاك، وتعد من أولى المدارس أهمية على المستوى التاريخي والوطني، ليدرس بها على يد الشيوخ محمد الطاهر التليلي، والشيخ عبد العزيز سعداني، رحمهما الله والشيخ محمد سعداني، وبعد التفوق توجه لإكمال الدراسة بالزيتونة في تونس، والتي كانت حينها منارة علمية وثقافية ووجهة لكل طالبي العلم من أبناء الجزائر، خاصة من وادي سوف المتاخمة لمدينة توزر التونسية ثم القاهرة.
عرف عليه الوفاء إلى أساتذته، فكان لا يبرح في كل مرة زيارة أساتذته الأوائل والشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم والأخذ من أفكارهم حتى آخر زيارة له قبل سنتين، أين كان يزور في السنوات الأخيرة الشيخ العلامة محمد الطاهر التليلي، ابن ڤمار أيضا وتأثر بوفاته بشكل كبير خاصة بعد العزلة التي فرضها الشيخ التليلي على نفسه في أواخر حياته، وهو الذي كان متزوجا بخالته، كما كان يحضر بعض الفعاليات الثقافية بالمدينة حينما يكون موجودا بها.
واشتهر في السنوات الأخيرة بشرائه عددا من المنازل القديمة وسط البلدة، في إطار محافظته على معالم التراث إضافة إلى الأبواب ذات الطابع التراثي القديم والتاريخية المصنوعة من الخشب والنحاس. وكان يؤمن حتى أخر أيامه أن الوادي ما يزال فيها مخزن كبير من التراث يجب أن يخرج إلى الواقع من خلال الكتابة والاهتمام بالمخطوطات، وكل ما هو تراثي بحت، فمدينة الألف قبّة غنية بتراثها، كما حقق في الكثير من الكتب والمؤلفات الوطنية والعربية، وحقق أيضا في مخطوطات محلية منها كتاب العدواني، ومنهجه دائما أن الجزائر تستحق أن نسخر لها كل جهودنا من خلال تخصيص الوقت والجهد الكافيين لخدمتها.
أمر بأن تكون مكتبته حبسا لدار الثقافة بالوادي، من أجل أن ينهل منها طلاب العلم بولاية الوادي، التي أصبحت بها جامعة، ومن المرشح أن يطلق على الجامعة اسم الرمز الدكتور أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين.

ملك الأردن أهداه قصرا وعمادة شرفية ولم يكرّم أبدا في الجزائر
أغضب النظام في العشرية الحمراء فـ"احتضنته" أمريكا
قامة أخرى من قامات الجزائر، رحل في صمت مُطبق، وكأنه لم يُفن من عمره أكثر من ثمانين سنة، نقش فيها تاريخ الجزائر في كل البلدان، التي درس وعمل فيها وبلغات سبع كان يتقنها بطلاقة ويكتب بها في مختلف المجلات ويحاضر بها في مختلف الجامعات، من التركية إلى الفارسية إلى الإنجليزية والإيطالية والألمانية والفرنسية والعربية، ولكن زهده في المناصب وكفره بالمسؤوليات هو الذي جعله بعيدا عن العين وعن القلب أحيانا لدى صناع القرار.
أتقن سبع لغات واعتبر تواجد الأتراك في الجزائر إستعمارا
لم يكن يجد المؤرخ أبو القاسم سعد الله أي حرج في قول كلمة حقّ في وجه أي مسؤول، حتى ولو كان الرئيس الراحل هواري بومدين، فخلال إقامة المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتاب الجزائريين في نهاية الستينات، وكانت حينها جبهة التحرير الوطني هي المشرفة على كل الملتقيات والراحل محمد شريف مساعدية مسؤول الأمانة الدائمة للأفلان، هو المحرك لكل المبادرات، لم يهم الدكتور سعد الله المشاركة في هذا الاتحاد الحكومي، ولكنه عندما كان يتابع نشرة أخبار الثامنة التي كان يتلوها الراحل بلبحري، ذهل بوجود اسمه ضمن المكتب المسيّر للاتحاد، فرفع سماعة الهاتف وخاطب بحدّة الراحل مساعدية، طالبا منه حذف اسمه حالا من مكتب تابع لاتحاد لا يعنيه، وقال له بالحرف الواحد: إن لم تفعلوا ذلك حالا سيكون لي كلام آخر. ولم يجد مساعدية من حل سوى حذف اسم الرجل الزاهد، الذي نذر نفسه للعلم وليس لأمر آخر بدليل أنه رفض عمادة بعض الجامعات في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد. ويشهد رفاق الراحل أنه لم يحمل بطاقة أي حزب من الأحزاب، بما فيها الأفلان في حياته، رغم سلطان المادة مائة وعشرين التي كانت تجبر أي مسؤول على انضمامه إلى الحزب الوحيد.
كان طلبة وادي سوف في جامعة الجزائر يتقربون منه، فيردّ عليهم من أول لقاء بهم، انسوا أنني سوفي، إن كنتم تتصورون أن المكان يمكن أن يقرب بين الناس فأنتم واهمون. وللأسف، فقد بحثنا في أرشيف الرجل عن تكريمات فلم نجد إلا مبادرة من دار الثقافة بوادي سوف أواخر الثمانينات في ندوة فكرية عن الشيخ العمودي، ولم تمر أيضا بسلام لأن أهل الندوة قرروا إطلاق اسم سعد الله على المكتبة الكبرى، وهو ما أغضب أمين المجاهدين في ذلك الوقت الذي انتقد إطلاق اسم رجل على قيد الحياة على مكتبة، وقال إن الشهداء هم الأولى بالتكريم، وراحت دول كثيرة من باكستان إلى أندونيسيا إلى الأردن تراود المؤرخ وتقدم له التكريمات وتمنحه المناصب العليا ومنها العمادة الشرفية من الحسين ملك الأردن الذي جهز له قصرا فاخرا.
الأردن، التي قضى فيها ما يمكن اعتباره منفى اختياريا لمدة سبع سنوات في سنوات النار الجزائرية، من رجل طاله غضب النظام عندما صاح مرة في العشرية السوداء قائلا.. عيب على الجزائريين أن يتقاتلوا.. فهاجر إلى الولايات المتحدة وهي التي سبق له وأن حصل فيها على دكتوراه في التاريخ الحديث عام 1965 من جامعة مانيسوتا.
من حميميات الرجل أنه تعلم اللغة التركية لأجل أن يدرس التاريخ العثماني في الجزائر، وخلص إلى أنه استعمار تركي وليس خلافة، مما أثار غضب الكثير من رجالات التاريخ ومنهم المسرحي محي الدين باشتارزي وسفير تركيا في الجزائر. كما لم يضبط أبدا مرتديا بدلة وربطة عنق وكان يقول لباسي تاريخ أيضا.

الوزير الأسبق لمين بشيشي:
سعد الله أوصى ألا تقام له جنازة رسمية وألا يدفن في العالية
"برحيل الدكتور سعد الله تكون ساحة التاريخ قد فقدت علما مهما من أعلامها، الشيء الإيجابي أنه ترك لنا ولمن بعدنا الكثير من المراجع المهمة جدا وسيظل "تاريخ الجزائر الثقافي" مرجعا مهمّا لكل الأجيال. كان صديقا قريبا جدا مني منذ كان أستاذا في الأردن ثم أستاذا هنا في الجزائر. عرفته في السبعينات وظل يحمل نفس الصفات والخصال الحميدة.. هادئ ومتواضع رغم ما لديه من رصيد ولكنه ظل دائما رجلا في مستوى كل المواطنين على اختلاف مستوياتهم".
أعتبر ملاحظاته في "أناشيد للوطن" شهادة أعتز بها كثيرا، ولشدة تواضعه أوصى ألا تقام جنازة رسمية وأن يدفن في مسقط رأسه بقمار بدل مربع الشهداء بمقبرة العالية. رجل صادق صدوق إذا تكلم يفيد. هو درس في التواضع للجميع نعزي أنفسنا وأسرة المؤرخين الذين فقدوا أحد أعلامهم".

الوزيرة السابقة والكاتبة زهور ونيسي:
أثمن وقفة وزير المجاهدين الذي كرمه وطبع كل كتبه
"فقدت الجزائر أحد علمائها الكبار جدا، الذي لن تحصل على قامة مثله إلا بعد 100 سنة. إنسان مجاهد ومكافح ومناضل، كرس طيلة حياته للبحث، فرحل وهاجر من مكتبة باريس إلى مكتبة الكونغرس الأمريكية فقط ليجمع التراث الجزائري. رجل أمة تمكن من جمع تاريخ الجزائر كله الجغرافي والسياسي والثقافي فاستحق لقب "مدرسة"، وأتمنى أن يعتني تلاميذه المؤرخون المحدثون بهذه المرجعية المهمة. التقيت به عدة مرات وأعرفه جيدا، لأنه من العائلة أيضا، وكذلك أعرفه من الجامعة وألجا إليه كلما غابت عني معلومة عند كتابتي لمسلسل "العلامة عبد الحميد بن باديس" فيساعدني بتواضع العلماء. وكذلك كان معنا في المجلس العلمي بوزارة المجاهدين، فكان يراجع كل ما ينتج من أعمال تاريخية. وبالمناسبة أثمن وقفة وزير المجاهدين الذي كرمه وطبع كل كتبه".

الدكتور احمد حمدي:
رائد الشعر الذي لقبه الإبراهيمي "بالناقد الصغير"
"كثير من القراء يعرفون الدكتور كمؤرخ ويجهلون أو يتجاهلون انه أديب وشاعر ورائد الشعر الجزائري الحديث "شاعر التفعيلة". كان من الأوائل رفقة محمد الصالح باوية وأبو القاسم خمار ممن أرسوا قواعد الشعر الحر في الجزائر، من جيل نازك الملائكة والبياتي والقباني الذين أرسوا قواعد الشعر الحديث، حيث نشر في 2 نوفمبر 1954 قصيدة "طريقي" وفيها تصور الجزائر المستقلة وتعبير عن حلم التحرر من قبضة الاستعمار. وأصدر أول ديوان في الشعر الحديث "النصر للجزائر" سنة 1957، وكتب المقدمة أحمد توفيق المدني ومحمود أمين العالم. وكان أول من حضر دراسة جامعية معمقة "محمد العيد آل خليفة رائد الشعر الجزائري الحديث"، كانت أطروحة الماجستير بجامعة القاهرة سنة 1960 وظلت مرجعا مهما للطلاب.
أطلق عليه الشيخ الإبراهيمي "الناقد الصغير" وأعطته جبهة التحرير الوطني منحة للدراسة في أمريكا "مينوسوتا" وأعد أطروحة دكتوراه حول الحركة الوطنية الجزائرية. في عائلته كلهم دكاترة، خالد أحد أهم علماء الرياضيات في العالم العربي، عمر سليمان، أستاذ القانون الدولي وعلي في الفلسفة.

الكاتب مراد أوزناجي:
ظل مستنكرا لاتهام الأمير بالخيانة ووفيا لرموز الجزائر
عرفته سنة 2002 وبقيت قريبا منه ومرافقا له حتى آخر أيامه، وفقت في محاورته في كتاب "حديث صريح مع أبو القاسم سعد الله" الذي صدر في جزأين، الأول تناول مساره، والجزء الثاني سلط الضوء على مواقفه وآرائه في الواقع العربي والدولي وأسئلة الراهن، وكان الهدف التعريف به للأجيال الصاعدة التي هي بأمس الحاجة للتعرف على قامة في التاريخ لن تتكرر.
الناس تعرفه مؤرخا ولكنه بدأ شاعرا وقاصا وصحفيا، حيث كان مراسلا صحفيا لصحيفة البصائر من تونس، وكان ملازما للعربي التبسي والشيخ البشير الإبراهيمي الذي عرفه لعبد الكريم الخطابي الذي كان مسؤول حزب في تونس.
ظل وفيا للبحث و التاريخ حتى آخر أيامه، كان رجلا متواضعا لا يحب الأضواء والخرجات الإعلامية، وكان وفيا للتاريخ ولرموز الجزائر، كثيرا ما عبر عن استيائه من محاولات الإساءة لرموز تاريخ الجزائر وعلى رأسهم الأمير عبد القادر، حيث كان يعلق على اتهامات الخيانة قائلا "فقد الجيش والأرض والدعم، ماذا يمكن أن يقدم أكثر مما قدم للجزائر.. يريدون دولة بلا رموز".

الروائي الدكتور أمين الزاوي:
متعفف .. لا يحب السلطة ولا السلطان
"نعزي العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة من المثقفين والمؤرخين، ومن رافق الدكتور أبو القاسم سعد الله واحد من أواخر المثقفين الموسوعيين إبداعا وشعرا وبحثا، هذا التنوع الذي هو الأساس، فلا دولة وطنية بدون ثقافة كإسمنت حقيقي يجمع الجميع. مثقف الهامش الذي نجح في تحويله إلى قبلة للباحثين، فالكل يعود إلى مراجعه وكتاباته وبحوثه التحقيقية.
أبو القاسم سعد الله رحمه الله مثقف متعفف لا يحب السلطة ولا السلطان، ما يهمه هو العلم والمعرفة.
أنا أشبهه بثلاث شخصيات في التاريخ العربي هي الجاحظ الذي يقاسمه هاجس الكتب، وأبو حيان التوحيدي الذي هو أيضا مثقف الهامش، وأخيرا ابن خلدون الذي قدم حياته للبحث والعمران، ولو انه يختلف عنه ربما في العلاقة مع السلطة.
يبدو لي أن من لم يقرأ "التاريخ الثقافي للجزائر" لن يستطيع فهم تفاصيل الثقافة الجزائرية.. سيظل مرجعا أساسيا للجزائر والتاريخ والأجيال المتعاقبة.. رحمة الله عليه".

الدكتورة خولة الإبراهيمي:
أبو القاسم سعد الله لم يمت لأن أعماله خالدة
"للأسف لم أتعرف عليه معرفة شخصية. ولكن، أكيد أنني عرفت عنه الطيبة والأخلاق وعرفت من خلال أعماله مؤرخا متميزا ستشهد له أعماله طول الدهر. المثقف الحقيقي هو من يترك الأثر ويكون مرجعية فكرية للأجيال المتعاقبة وتبقى أعماله مصدرا للبحث العلمي والتاريخي والأدبي. اطلعت على "تاريخ الجزائر الثقافي" المكون من 9 أجزاء عن دار الغرب الإسلامي وأؤكد أن الجزائر فقدت قامة فكرية نادرة".

مدير المركز الوطني للبحث في تاريخ الحركة الوطنية، جمال يحياوي:
كان يقول: أيامي معدودات ومشاريعي كبيرة
أتقدم أولا بالتعازي لكل المثقفين في الجزائر، بفقدان شيخ المؤرخين العالم أبو القاسم سعد الله، فقد كان موسوعة متنقلة حسب تعبير المثقفين والمؤسسات العلمية في العالم العربي. كرس حياته للبحث في تاريخ الجزائر وحضارتها، حتى تجاوز عمره العلمي 60 عاما. لم يتوقف لحظة عن التأليف والترجمة والتقديم والتحقيق. كان مثالا للعالم المفكر والمتواضع. كان يقول دوما، خاصة في الأشهر الأخيرة: أنا أيامي معدودات لكن مشاريعي كبيرة، وعليه لا يمكنني أن أضيع دقيقة واحدة من حياتي، حتى أكمل مشاريعي الثقافية. كان لا يبخل بالنصيحة على طلبة العلم، وأكثر من ذلك، كان هو من يعرض بعض أعماله عليهم لإبداء الرأي فيها. فقد أطلعنا أكثر من مرة على مقالة ينوي نشرها في جريدة "الشروق"، ويلحّ علي لإبداء الملاحظات إزاءها في تواضع كبير.
الرجل كان أيضا مهموما بالدفاع عن الثقافة الجزائرية واللغة العربية في مختلف المحافل الدولية. كان دائما يردد أنه مهما كتبنا عن التاريخ الثقافي والحضاري للجزائر فلن نوفيه حقه، لهذا كان كثير الاطلاع على كل ما يكتب عن الجزائر من دراسات وأبحاث بمختلف اللغات العالمية خاصة الإنجليزية، وكان حريصا على ترجمة هذه الأعمال إلى اللغة العربية.
أهم ما ميّز مسيرته أنه كان زاهدا في المناصب السياسية، فقد عرضت عليه وزارتا التعليم العالي والثقافة طيلة الثمانيات فرفضها رفضا قاطعا، وعندما سألته عن السبب كان يجيبني: أنا لم أخلق إلا للبحث العلمي.

رئيس جمعية العلماء الجزائريين، عبد الرزاق قسوم:
سعد الله في مقام مانديلا عندنا
ماذا عساني أقول عن الشيخ أبو القاسم سعد الله، وهو جبل شامخ من العلم والمعرفة يسقط اليوم، وجه من وجوه الثقافة يغيب عن الساحة الوطنية والإسلامية، إن سقوط مثل هذا الجبل يحدث بلا شك زلزالا عميقا على الصعيد المحلي والعربي والعالمي.
سعد الله مثقف تعددت جوانب العظمة في شخصيته، تلتقي به في الأدب والتاريخ والسياسة، ولكنك تجمع كل هذه في معادلة واحدة هي ثوابت الوطن، وبالتالي فإن سعد الله درع من الذائدين عن هوية الأمة، تميز بالوفاء للثوابت وبالعمل من أجل تعميقها وتقديم النموذج السلوكي للأجيال على اختلاف أنواعها، في كيفية التعلق بالوطن والدفاع عن انتمائه وتاريخه.
يصعب عليّ إيجاد الكلمات في حق هذا الرجل على سعة اللغة العربية، ولكن ما يمكن أن نتسلى به هو أنه يغيب عنّا بعد أن ملأ المكتبة الوطنية بالموسوعات الثقافية المختلفة، وملأ القلوب والعقول بالمبادئ وقيم الوطنية الصادقة.
ندعو الله له بالخلود في الجنة وأن يكون مع الصديقين والشهداء والصالحين لأنه بكلمة واحدة: هو في قامة مانديلا من حيث الثقافة والقيم والمبادئ.

الدكتور محمد الهادي الحسني:
لا أتصوّر فقدان سعد الله.. ولا أستطيع تصويره
نسأل الله أن ينزّل شآبيب الرحمة على روح شيخنا أبو القاسم سعد الله، وهذا قدر الله، فلكل واحد منا أجله، فلا نجزع من ذلك، فالفقيد سعد الله يلقى عند ربه إن شاء الله ما يفرحه، ولكن الخسارة في فقده لا أستطيع تصوّرها ولا أقدر على تصويرها، فهو كنز من العلم والأخلاق، صاحب العلم الواسع، ومع ذلك، لا تجده مصعّر الخد، ولا مرحا في سيره، ولا متطاولا في حديثه، بل يمشي كعباد الرحمان هونا، يوقر من يستحق التوقير، ولا أ_رف أن الشيخ سعد الله سبب أذى لأحد من الناس، عاش متواضعا هشّا بشّا في وجوه الخلق، يقول للجميع حسنا كما يوصي الإسلام، محسنا في عشرته بالمعروف، ونحن تلامذته ومن أعرف الناس به، استفدنا من علمه وتعلمنا من أخلاقه، وقد يسمه ما يؤذيه، بيد أنه يصفح ويعفو عن سفه السفهاء، فرحمه الله وأحسن مثوبته، وألهم أهله وشعبه وأمته جميل الصبر والسلوان.

علي بن حاج يتأسف تجاهل العلماء إلا بعد وفاتهم:
جهبذ نطّاس لا يعرف فضله إلا من اطّلع على مؤلفاته
تأسّف علي بن حاج، لعدم تذكّر الجزائر "علماءها" إلا بعد وفاتهم، واصفا المؤرّخ الكبير أبو القاسم سعد الله بأنّه "عالم من العلماء، ومؤرّخ فذّ قلّ نظيره في الشمال الإفريقي كلّه "لما عرف عنه ــ يكمل بن حاج ــ بدقّته التاريخية وثقافته الموسوعية وصرامته في مناقشة الرسائل العلمية المتخصصة"، منبّها إلا أنّه "لا يعرف هذا الجهبذ النطّاس إلا من اطّلع على مؤلفاته"، ليعود للتذكير بقول الشاعر "النّاس موتى وأهل العلم أحياء".
علي بن حاج في منشور له على صفحته في الفيس بوك، أعاب على النّظام الجزائري ما قال أنّه "تضيق خناق" مورس ضدّ الفقيد بسبب "صرامته في عرض أحداث التاريخ وعدم المجاملة فيه"، مشيرا إلا أنّه تعرّض إلى "مساءلات أمنية في بحوث تاريخية" كما توفّي وفي نفسه غصّة " من ضياع حقيبته في مطار لعلّه أمريكي تحمل أنفس الوثائق في ما يخصّ التاريخ الثقافي للجزائر"، داعيا الله عزّ وجل بأن يرحمه رحمة واسعة.

كان يقول: أخاف أن تنطفئ الشمعة قبل أن أكمل المشروع
كتاب جديد عن دخول الإسلام إلى الجزائر
علمت "الشروق" من الكاتب مراد أوزناجي، أن الدكتور أبو القاسم سعد الله، كان بصدد تحضير مشروع تاريخي جديد وهو كتاب يعود إلى فترة الدخول الإسلامي، من القرن السابع ميلادي إلى القرن الـ16 ميلادي، وأكد أنه خطا فيه خطوات كبيرة ولم تبق إلا روتوشات قليلة جدا ليدخل مرحلة الطبع عند رضا رحموني "عالم المعرفة" وهو ناشر الدكتور.
وكشف مرافقه أن شيخ المؤرخين كان يقول له في المدة الأخيرة "أخاف أن تنطفئ الشمعة ولا أكمل هذا المشروع"، وكان يريد أن يطبعه عند نفس الدار مباشرة بعد إضافة الروتوشات، ولكن تشاء الأقدار أن يرحل دون تحقيق ذلك. وأكد في معرض حديثه أن المرض في الفترة الأخيرة لم يثنه عن مشاركة الجزائريين مشاكلهم، وكان يعبّر عن المشاكل التاريخية للوطن في مقالات سبق وأن نشرتها الشروق.

عبد الرحمان عثامنية أحد المقرّبين للفقيد:
رفض عروض العلاج في الخارج وأصر على البقاء في الجزائر
قال الأستاذ عثامنية، وهو من الأصدقاء المقرّبين للراحل أبو القاسم سعد الله، "عرفت الفقيد في سبتمر 62 بمناسبة آخر مؤتمر لاتحاد الطلبة المسلمين الذي انعقد في بن عكنون، ورغم الصعوبات التي اعترضت طريقه بعد عودته من أمريكا، إلا انه تمكن من شق طريقه وبناء مكانة في الساحة العلمية في الجزائر والعالم العربي والإسلامي، وعاش الفقيد حزينا على وضع البلاد لأنه كان حزينا على وضع البلد، كان ينتظر أن الثورة الجزائرية تعطي استقلال أبهر من الثورة المسلحة، وكان يقول دائما استطعنا أن نسير ثورة من أجل الاستقلال، ولكن عندما جاء الاستقلال لم نستطع أن نسيره أحسن تسيير، رحمه الله كان مثال العالم الزاهد، كيف لا وهو لم يمتلك بيتا إلا حديثا وسمى بيته بـ"بيت الأردن" لأن الأموال التي بنى بها البيت كانت من الأموال التي تقاضاها من عمله كأستاذ جامعي بالأردن، ورغم المناصب السامية التي عرضت عليه إلا أنه رفضها لأنه كان يرى مكانه في الجامعة، كما أنه رفض عروض العلاج في الخارج وبقي في الجزائر".

الدكتور محمد لحسن زغيدي:
الحكومة المؤقتة أرسلته للدراسة في أمريكا
أكد الدكتور محمد لحسن زغيدي، أن الجزائر فقدت عملاقا ومربيا وعالما من رجالاتها وأولادها، لقد أعطى الرجل الكثير لهذا البلد، ووهب حياته يكفيه أنه ألّف العديد من الكتب عن تاريخ الجزائر، والتي تعد اليوم من أمّهات المراجع عن تاريخ الجزائر.
وأضاف الدكتور محمد لحسن الزغيدي، وهو من المقرّبين لشيخ المؤرخين الراحل أبو القاسم سعد الله، متحدثا عن إصداراته قائلا: "يكفيه أنه كتب تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، وترك أكثر من 40 عنوانا في المكتبات الجزائرية وثلاثين مجلدا". مضيفا أن الحكومة الجزائرية المؤقتة، هي التي أرسلت الدكتور أبو القاسم سعد الله، للدراسة في أمريكا الثورةّ، كما أرسلت جزائريين آخرين إلى مختلف الدول، وذلك في إطار تأطيرها وتكوينها للكوادر التي ستتولى تسيير الجزائر بعد الاستقلال.
قبل أن يضيف: "واصل جهاده بالقلم فكان أستاذا وباحثا ومحاضرا في معظم جامعات العالم، وفي معظم جامعات الجزائر وترك تراثا يبقى إلى الأبد منهلا ومشربا للأجيال والباحثين".                                                                             

نويصع صالح:
رفض نصيحة الأطباء بالتوقف عن الكتابة
قال الدكتور صالح نويصع، وهو من تلامذة العالم الراحل أبو القاسم سعد الله: "زرت أستاذي الدكتور أبو القاسم سعد الله، وهو على الفراش المرض بمستشفى عين النعجة العسكري، وأخبرني أن الأطباء منعوه من الكتابة ولكنه رفض ذلك، وبقي يكتب إلى آخر لحظات حياته".

تأبينية المرحوم سعد الله
تنظم جريدة "الشروق" تأبينية للمرحوم الراحل الدكتور أبو القاسم سعد الله، يوم الثلاثاء على الساعة 11 صباحا، بمقر الجريدة. وذلك بحضور تلاميذه ورفاقه وأصدقائه وبعض أفراد عائلته.
الدعوة موجهة إلى كل الذين عرفوه عن قرب ولديهم شهادات حية عن حياته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.