قضية بلونيس - ملحق 1 -

وثائق سرية فرنسية تكشف تاريخه وهيكلة جيشه:

جيش بلونيس ساعد الفرنسيين على قتل سي الحواس وعميروش

حكيم عزي
بلونيس - يمينا رفقة ضباط فرنسيين
                             بلونيس - يمينا رفقة ضباط فرنسيين

 سي الحواس كان يتنقل بهوية رجل يهودي ولم يعمل مع "الجنرال"

عندما كتبت في حلقة سابقة حول عرض الإدارة فرنسية على بلونيس حكما ذاتيا في الصحراء تلقيت عشرات التعليقات التي دوّنها القراء الكرام، وأدركت جيدا أن جيل ما بعد الثورة أصبح يفرق بين الغث والسمين والخبيث والطيب، ومكنتنا بعض أفكار القراء من الوصول إلى حقائق أخرى أكثر إثارة وجدلية في تاريخ الجزائر الذي يصفه عدد من المؤرخين بـ"الغامض" وحتى "المزيف".
تشير أرقام ومعلومات تنشر لأول مرة أن محمد بلونيس كان يقود جيشا منظما بالعدة والعتاد ويسيطر على ربع التراب الجزائري، وهي شهادة تاريخية نادرة زودنا بها مجاهدٌ من أبطال جيش التحرير.
 ذكرت الوثائق التاريخية السرية الفرنسية والتي تسلمنا نسخا منها أن سي الحواس واسمه الحقيقي أحمد بن عبد الرزاق حمودة من مواليد 1923 في مشونش بولاية بسكرة، كان مساعدا لبلونيس رفقة الشهيد البطل عمر إدريس، حيث كلِّفا بعمليات في الجنوب وبالضبط مفصل أولاد جلال وإلى غاية ولاية غرداية، حسبما ورد في الوثيقة، وكان ذلك قبل انضمامها إلى جيش وجبهة التحرير الوطني، وذكرت الوثيقة الصادرة عن الإدارة الفرنسية أن سي الحواس كان "مصالياً" إلى النخاع ومتأثرا ومؤمنا بأفكار "حركة أنصار الحريات الديمقراطية"، كما كان مسؤولا فيها، وعلاقته مع بلونيس وطيدة وقوية، غير أن هذه الشهادة الفرنسية لما عرضناها على المجاهد الكبير أحمد قادة الوحيد من بين 15 "الخارجين عن القانون الفرنسي"  و"الاعتصام في الجبل" قبل سنة 1947 وأحد مفجري الثورة الذي لا يزال على قيد الحياة، نفاها قائلاً: "علاقتي مع سي الحواس كانت أكثر من أخوية وهو صديقي وقد كنت صحبة الشهيد الرائد حسين برحايل قائد المنطقة الثالثة التي سُميت فيما بعد بالولاية السادسة والملقب بأسد الأوراس عندما اتصل بنا الشهيد سي الحواس في دشرة بمنطقة مشونش مسقط رأسه، مباشرة عقب عودته من فرنسا في مارس 1955 وأبدى رغبته في الانضمام إلى جيش التحرير الوطني وسلمنا مبلغاً قدره 3 آلاف فرنك فرنسي وهو مبلغ ضخم في تلك الفترة، فضلا عن تزويدنا بـ 05 بدلات عسكرية صيفية بُنِّية اللون.
 ويضيف نفس المجاهد "صحيح أن سي الحواس كان من أركان مصالي الحاج رفقة جميع مفجري الثورة ثم سافر إلى فرنسا قبيل اندلاعها لدعم نشاط الحركة الوطنية بالخارج، بعدما شعر أن السلطات الاستعمارية بدأت تترصده، لكنه لم يتوافق مع بلونيس وتركه خوفاً من اختراقه، وكان العقيد سي الحواس يتنقل بـ 03 هويات مزورة إحداها لشخص يهودي، وظل يتردد بذكاء وحنكة بين الجبال ومعه الضابط عبد السلام بولحية وغيره وتمكن من الارتقاء في الرتب بمنطقة الصحراء التي سميت بالولاية السادسة فيما بعد، إلى أن عُين من طرف الحكومة المؤقتة سنة 1957 برتبة عقيد ثم استشهد في 29 مارس 1959.

 بقايا الجنرال 
حسب شهادة المتحدث ذاته، فإن استشهاد سي الحواس رفقة عميروش سنة 1958 في منطقة جيل ثامر بضواحي بوسعادة بعد اكتشافهما من طرف فرنسا يرجح أنها كانت بإيعاز من بقايا بلونيس الذين تمركزوا مع جيشهم غير بعيد عن مكان سقوط الشهيدين على أساس أنه كان يسيطر على جيوب في بوسعادة والجلفة، مؤكدا أن شكوكاً كبيرة حامت حولهم بعد تحديد مكان الشهيدين عن طريق جهاز لاسلكي حيث كان سي حواس وعميروش يهاتفان ممثل الحكومة المؤقتة في الجارة تونس؟.
 وقد حلقت أكثر من 20 طائرة عمودية على مكان تواجدهما، بينما دعمتهم ميدانياً بقايا جيش بلونيس. وأردف محدثنا بلونيس كان يُكنى نفسه بـ"سي إبراهيم" لاسيما في بني ورتيلان وبني يعلى وبني عباس وفي منطقة قنزة ولم يغادر الجهة قبل 1956، حيث كان ينشط باسم جيش الأوراس وهي حيلة على أساس أن "أم أن آ"  هي الأفلان ملك لمصالحي الحاج، وكريم بلقاسم وبن بولعيد هم "أطفال أرادوا سرقة الثورة من أبينا مصالحي الحاج" حسب رواية بلونيس للمجاهدين وهي شهادة رواها الرائد يوسف يعلاوي لبن بولعيد، علما أن بلونيس تنقل إلى الجلفة وهي أكثر أمناً بعد ضغوط الجبهة عليه بداية من عام 1957.
ومعلوم أنه في عام 1955 دارت معركة بين جنود الشهيد عميروش وجيش بلونيس في منطقة قنزة ودامت 48 ساعة وبقيت السلطات الفرنسية تتفرج على الموقف دون تدخل منها، وبعد تغلب جنود عميروش والشهيد حميمي ونجاحهما في تجنيد الأحرار من القبائل ضد بلونيس فرّ هذا الأخير إلى "ديار الشيوخ" بالجلفة واتخذها مقرا لقيادته، وكانت تُسمى آنذاك "حوش النعاس".

وثائق الجيش الفرنسي تكشف حقيقة بلونيس 
تكشف الوثائق السرية أن بلونيس في 18 أوت 1957 تنقل إلى الجلفة وكان مرفقا بكلّ من الضابط رابح البرادي وعبد القادر رمضان (الأطرش) ومحمد فاتح ورابح بولحية والعربي القبائلي، وقاموا بتحديد مكان الإقامة وكيفية إعداد العدة وتكوين الجيش حيث بلغ 04 آلاف جندي، وأطلق على نفسه لقب "الجنرال" وقبلت فرنسا بذلك ومنحته رخصة تسمح له بالتعذيب والتصفية الجسدية دون العودة إليها، حيث تحوّل الرجل الفلاح إلى ما تلقبه فرنسا بـ"الوحش" الذي أمسك قبضته على الجلفة، سيدي عيسى، بوغزول، عين وسارة، وتحول إلى جنرال إلى مرعب حقا، قبل أن يتحصل على إذن من السلطات الفرنسية باحتلال "دار القايد" في ديار الشيوخ، 50 كلم عن الجلفة، وأصبح القائد الأعلى للجيش، بعدها مباشرة ـ حسب الوثيقة السرية- شرع في تكوين قواعد لتدريب الجنود في موقعين الأول أشرف عليه الضابط "ساعد" وهو صهر عاشور زيان صحبة النقيب عبد القادر رمضان، واستغل الوقت لتكوين جهاز إداري أو ما عُرف حينها بـ "الزعماء" ومهمتهم الإشهار للجيش وجمع الأموال وإحصاء السكان ومنح الرخص للمتزوجين وإحصاء المواطنين وإقامة محكمة للفصل ين المتخاصمين، ونصَّب محمد بلونيس "العربي لوباريزان" أو العربي الباريسي مراقبا عاما للتنظيم المدني ومعه 09 مراقبين مهمتهم رصد كل ما يتحرك وهو أشبه ما يكون بجهاز الاستخبارات وعدده الإجمالي 300 مراقب.
 وفي 06 سبتمبر 1957 ذكرت الصحف الفرنسية أن بلونيس انضمّ رسميا إلى "الحركة الوطنية الجزائرية" صحبة 500 عسكري للعمل مع فرنسا من أجل جزائر جديدة فرنسية ـ جزائرية ضد "الفلاقة"، وزعمت الصحف الفرنسية أن الرأي العام الجزائري يؤيد بلونيس، وكذا القاهرة وموسكو، يقول المجاهد قادة: فرنسا لجأت إلى هذه الأكذوبة الكبيرة جدا، وهي تأييد موسكو والقاهرة لها هدفه تضخيم موقع  بلونيس وضرب اتفاق مصر وموسكو وجبهة التحرير، زيادة على زرع الشك في صفوف جنود جبهة التحرير، لكن الحمد الله تفطنا للخدعة وأصبحنا أكثر تماسكا من أي وقت مضى وهو ما جعل جيش بلونيس يتلاشى أواخر عام  1958.

الهيكلة العسكرية لأركان جيش بلونيس 
نجح بلونيس بفكره وحماسته في تشكيل جيش من 2000 جندي وهو جيش كوّنه عاشور زيان، وقد أشرف على عملية تكوينهم من جديد المدعو عبد القادر جغلاف وشخص يسمى عبد الرحمان إلى جانب محمد الحاجي ويمثل هؤلاء رتب نقباء حسب التسمية الفرنسية وهم مسؤولون عسكريا، في حين تمرد عاشور زيان على بلونيس وخاض ضده معركة أسفرت عن مقتل 146 جندي من جيش بلونيس وضابطين و06 جنود من عناصر عاشور زيان، وخلف عمر إدريس زيان، وسارع الجنرال إلى تقسيم جيشه إلى 05 فرق عسكرية هي الآتي:
ـ الفرقة الأولى:
تضم 200 جندي ويرتكز نشاطها شمال شرق الجلفة ويديرها عمر إدريس ومساعده يسمى "سي السعيد". يُذكر للشهادة التاريخية أن عمر إدريس انضم فيما  بعد إلى ثورة التحرير وأستشهد بعد فراره من جيش بلونيس.
ـ الفرقة الثانية:
130 جندي محورها شمال غرب الجلفة ويقودها سي العربي القبائلي ونائبه خليفة بن محمد.
ـ الفرقة الثالثة: 
تتكون من نقيب و100 جندي وتنشط شمال أولاد جلال ويقودها عبد القادر جغلاف.
ـ الفرقة الرابعة: 
مكونة من 100 جندي جبل بوكحيل ويشرف عليها الحاج لخضر الجلفاوي ونائبه "الدراجي". 
ـ الفرقة الخامسة:
 100 جندي غرب منطقة مسعد ويقودهم عبد القادر لطرش وكلهم تحت إمارة الحركة الوطنية الجزائرية، وكان هذا الجيش المكون  في البداية من 500 جندي لا يتحرك إلا بأذن من بلونيس، وقام هذا الأخير بتشكيل مناطق عسكرية أخرى وهي:
منطقة جنوب الجلفة: 
وتضم أفلوا، الجلفة، الأغواط تحت تصرف النقيب "مفتاح" ومقسمة على  المسؤولين العسكريين وهم:
ـ عبد الله: 200 جندي 
ـ عبد السلام: 200 جندي 
- المدعو حنى بمنطقة قصر الحيران: 40 جنديا أي بمجموع 440 جندي بهذه الجهة لوحدها.
منطقة جنوب شرق الجلفة:
وتتكون من طمسة وبوسعادة حيث يقودها عبد القادر لطرش ومكونة من 04 أركان موزعة على قادة عسكريين وهم:
 ـ بلقاسم: 110 جنود 
ـ بدري عمار: 250 جندي 
ـ عبد القادر جغلاف: 100 جندي 
أي بمجموع 570 جندي، ويتضح بلغة الأرقام أن جيش بلونيس بلغ في البداية 500 جندي ثم تطور إلى 1510 مجند في أقل من 05 شهور وقبل حلول عام 1958 أصبح العدد يناهز 04 آلاف جندي.
وذكرت الوثيقة الفرنسية أن الحرب التي دارت بين جيش بلونيس وجيش جبهة التحرير حتمت على كل طرف تصفية عناصر الآخر شنقا أو رميا بالرصاص  بمجرد الشك في الانتماء، ولم يكن غالبية المجندين يفرقون بين جيش التحرير وحركة مصالي، خاصة بمنطقتي القبائل والصحراء، وسقط العديد من الضحايا، وقد استغلت جماعة بلونيس الظرف، وكلما دخلت منطقة إلا وتحدثت باسم جبهة التحرير لاستمالة جنود جدد حتى تشعل النار بينهما، وكان كل طرف يحاول استظهار قوته، بينما يرى المجاهد قادة أن فرنسا كانت توظف جيش بلونيس لضرب الثورة وإفشالها من الداخل وهو ما تفطن له سي الحواس في مناطق الصحراء وحاول صد الخداع الفرنسي المتكرر لتفادي اختراق الجبهة من الداخل، ما جعل عناصر كبيرة تنضم إلى ثورة وتقويها بالسلاح والعدة وانكشفت نوايا "الكابران" الذي تحول إلى "جنرال".
منطقة شمال الجلفة: (أومال)  يقودها النقيب الحوسيني في شكل 04 أركان: 
ـ 180 جندي بينهم 80 جندياً فارساً "راكب حصان" يشرف عليهم النقيب عمار الوهراني.
ـ 200 جندي يقودهم سعيد مايو 
ـ 80  جنديا يقودهم  المبارك. 

خدم وحراسة شخصية 
كشفت الوثائق المذكورة أن الإقامة الخاصة بالجنرال بلونيس بديار الشيوخ  في الجلفة تتكون من 58 جنديا بينهم 08 حراس شخصيين و05 موظفين في السكرتاريا ونائبه "سي مخزي" مكلف بالإدارة والعتاد، فضلا عن فريق يتكون من السادة:
ـ العربي القبائلي مستشار عسكري
ــ سي محمد مستشار سياسي 
ـ سي الحوسين حجاجي قائد التدخل والعلاقات 
ـ سي حمود أمين الخزينة  
فيما يتوزع حول محيط الإقامة 250 جندي في حين يتولى النقباء حراسة كامل تراب دار الشيوخ بمجموع 1230 جنديا يشرف عليهم:
ـ سي جمال: 400 جندي  
ـ سالم: 100 جندي 
ـ بشير: 100 جندي 
ـ بلقاسم: (موسطاش) 100 جندي 
ـ رابح: 100 جندي 
ـ سعد: 100 جندي 
ـ عبد القادر: 80 جندياً. 

الثورة تخترق بلاط بلونيس 
وتضيف نفس الوثائق ناهيك عن شهادة مجاهدين أن بلونيس، وصلته معلوماتٌ من جهازه التنظيم الإداري والسياسي تفيد بقيام 03 عسكريين من فرقة سي العربي بسرقة 14 مليون فرنك فرنسي وتحويلها إلى جيش جبهة التحرير الوطني، وقد وقع تشابك بالسلاح بين فرقة سي العربي وفرقتين مدعومتين بعناصر فرنسية يقودهم (جنودٌ من السنيغال) يقاتلون إلى جنب فرنسا، فأسفر الاقتتال عن  29 قتيلا و 40 جريحا في صفوف سي العربي و04 قتلى و06 مصابين من الفيلق الفرنسي.
ورغم اختراق الجبهة لبلاط "الجنرال" وشعوره ببداية الهزيمة، تلقى مكالمة سرية من الإدارة الفرنسية تطمئنه على أن ما حدث لا يفسد العلاقة بينهما وطالبته بضرورة استكمال نهج سياستها ومواصلة مشوارها والتنسيق العسكري خاصة بعد حادثة سي العربي والجيش الفرنسي المدعوم بعناصر الجنرال، وهنا بدأ الاختلال والشك ينتاب عناصر جيش بلونيس، وهرب عشرات المجندين إلى الجبال للالتحاق بالثورة ومنهم من عاد إلى بيته، في هذا الوقت بالذات فكر "الجنرال" في التمرد على فرنسا فكانت نهايته مؤلمة.

تطالعون في العدد القادم:
ـ انشقاق 18 ضابطاً عن بلونيس 
ـ ليلة اكتشاف "مونيا" ابنة بلونيس مخطط اغتيال والدها وإخطاره 
ـ إعدام بلونيس لذراعه الأيمن سي الحوسين حجاجي قائد العمليات وتصفية 160 محبوس.
ـ هروب الجنرال رفقة زوجته إلى الجبال بالأموال بعد قتل 300 جندي
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.