حول تمرد الأفافاس : التمرد المسلح أودى بحياة 500 مجاهد من الولاية الثالثة

المجاهد محمد مرّي أحد قدامى الأفافاس بالبويرة:

التمرد المسلح أودى بحياة 500 مجاهد من الولاية الثالثة

التقته بالأسنام بالبويرة: ص. ق
السيد محمد مرّي
                                       السيد محمد مرّي

يعتبر السيد محمد مرّي القاطن بضواحي "محناس" ببلدية الأسنام بالبويرة إحدى الموسوعات التاريخية كما تعرفه عامة الناس، كان له الفضل في المشاركة إلى جانب إخوانه المجاهدين في الحرب التحريرية، كما أنه من بين المجاهدين الأوائل بالولاية الثالثة الذين استجابوا لنداء الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد للمشاركة في التمرد المسلح ضد النظام خلال شهر سبتمبر 1963 عندما ثار بعض المجاهدين بقيادة حسين آيت أحمد الذي انسحب من جبهة التحرير الوطني وأسس "جبهة القوى الاشتراكية" ضد حكم بن بلة ووجد دعما كبيرا في منطقة القبائل، لكن الجيش تمكن من إخماد هذا التمرد المسلح وفاوض بن بلة الحزب المعارض واتفق معه على "تغيير الأحوال"، لكن الاندلاع المفاجئ لـ"حرب الرمال" عام 1963، أعطى النظام فرصة سانحة للتراجع عن التزاماته خاصة بسبب انشغال الجميع بموضوع السيادة الوطنية التي انتهكتها المملكة المغربية.

معاناة في صمت
وُلد عمي محمد المعروف باسمه الثوري "عمِّي موح" بضواحي بشلول بولاية البويرة وذلك يوم 18 جوان 1933، كان من حفاظ القرآن الكريم، وكان يمارس النشاط الفلاحي بمسقط رأسه، وبعدها انتقل للعيش بأحد الأحياء القصديرية بضواحي بشلول وذلك لمدة 8 سنوات. وقال في حديثه المطول مع "الشروق اليومي" خلال تطرقه إلى مسيرته الثورية والنضالية التي استمرت إلى ما بعد الاستقلال، انه انضمّ إلى السياسة وعمره لا يتعدى 14 سنة وهذا إلى جانب العديد من العائلات الثورية بالبويرة على غرار خلاص، بشلاوي، أقنوش، أوشن والمجاهد المعروف حناش أحمد.
 ويتذكر عمي محمد أدق التفاصيل عن الاجتماعات الأولى التي شارك فيها بضواحي "إزعمومن" والتي كان يترأسها المجاهد شرارق محمد والذي كان آنذاك محافظا سياسيا وكان يحدثهم ويحثهم على الجهاد في سبيل الوطن، ثم هاجر إلى فرنسا بحثا عن العمل خلال شهر مارس 1954، لكن الأخبار غير السارة التي كانت تصله إلى المهجر جعلته يقرر مجددا العودة إلى ارض الوطن وكان ذلك أواخر شهر أوت 1958 حيث التقى العديد من المجاهدين والذين كانوا في تلك المرحلة في حاجة ماسة إلى أمثال عمي موح والذي ظل طوال حياته الثورية ملاحَقا من طرف الجيش الفرنسي الذي مارس عليه أبشع أنواع التعذيب، حيث تم سجنه العديد من المرات كما تم تعذيبه أيضاً عدة مرات وما تزال آثار التعذيب على جسده، كما أكد أنه واجه كسائر رفقائه في النضال صعوبات ومشاكل عند القيام بمهامه الثورية، وهذا إلى غاية استشهاد أخيه "السعيد" المدعو "تارزون" والذي استشهد سنة 1959 بضواحي الصومام رفقة 35 شهيدا آخر، مضيفا أن مسكنه العائلي تحوّل لعدة سنوات إلى ملجأ للمجاهدين، ما جعل الاستعمار الفرنسي يلاحقه شخصياً، حيث تم سجنه مجددا لمدة عام كامل تعرض خلالها إلى أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، لكن ذلك لم يمنعه من العمل إلى جانب المجاهدين عن طريق جمع الأموال والطعام.

وأضاف السيد مري محمد خلال استرجاع ماضيه التاريخي الحافل بالبطولات أنه اشتغل قبل التمرّد المسلح للأفافاس حارسا شخصيا للراحل هواري بومدين، وهذا رفقة شخص آخر من ضواحي "ملوزة" بالمسيلة ويستذكر بأدق التفاصيل الحديث الكثير والمشوق الذي كان يدور بين بومدين وحرّاسه.

هكذا تحول آيت أحمد إلى معارض 
وبخصوص التمرد المسلح الذي قاده آيت احمد ضد نظام بن بلة تحدث السيد محمد مرّي مطولا عن هذه الحقبة التاريخية الهامة والتي حدثت سنة 1963 حيث كانت هناك حربٌ في منطقة القبائل بين النظام الحاكم بقيادة بن بلة وبومدين و"مقاتلي القبائل" بقيادة حسين آيت أحمد وأمحند أولحاج، حتى أن بن بلة قام بقصف قرى تيزي وزو وانتهت حركة التمرد بسبب "حرب الرمال" التي اندلعت بين الجزائر والمغرب، حيث أن كل مجاهدي منطقة القبائل تنقلوا إلى الحدود ليدافعوا عن الجزائر بمن فيهم أمحند أولحاج.
بن بلة اتفق مع آيت أحمد يوم 16 جوان 1965على الذهاب التدريجي إلى التعددية لكن انقلاب بومدين عصف بالاتفاق
وأكد متحدثنا أن آيت أحمد كان في وقت سابق قد تمّ انتخابه نائبا عن ولاية سطيف في أول مجلس تأسيسي بعد الاستقلال في مهمة محددة تتمثل في إعداد دستور للجزائر المستقلة الذي يوضع أمام الشعب للاستفتاء، إلا أن لجوء الرئيس الراحل أحمد بن بلة إلى تبني الدستور في سينما إفريقيا بالعاصمة، أفقد المجلس التأسيسي مهامه وصلاحيته واستقال آيت احمد من المجلس التأسيسي رفقة مجموعة من النواب بمن فيهم رئيس المجلس فرحات عباس وبقي معارضا لحكم بن بلة، بل أكثر من ذلك أعلن عن حركة تمرد عسكرية رفقة العقيد أمحند أولحاج قائد الولاية الثالثة التاريخية وذلك بتغطية سياسية من طرف حزب "جبهة القوى الاشتراكية" غير المعترف به آنذاك. 
وأضاف محدثنا أن حركة التمرد التي شارك فيها شخصياً إلى جانب المئات من المجاهدين الآخرين دامت عدة أشهر وقد نجا بأعجوبة من الموت خاصة وأنه شارك في العديد من الاشتباكات المسلحة التي دامت عدة أشهر وانتهت عملية التمرد بمقتل مالا يقل عن 500 مجاهد من الولاية الثالثة، من بينها إحدى الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين المتمردين وقوات نظام بن بلة وذلك سنة 1963بالمكان المسمى "حالسة" والتي شارك فيها عمي محمد إلى جانب 21 مجاهداً والتي أدت إلى سقوط 12 مجاهداً وإلقاء القبض على أحد المجاهدين. وانتهت حركة التمرد المسلحة باعتقال حسين آيت احمد سنة 1964 وإصدار حكم الإعدام في حقه، لكنه استفاد من تخفيف رئاسي للعقوبة من قبل أحمد بن بلة، قبل التوصل إلى اتفاق بين حزبي جبهة التحرير الوطني، و"جبهة القوى الاشتراكية" يقضي بالذهاب تدريجياً نحو التعددية السياسية، وأعلن عن الاتفاق في 16 جوان من عام 1965؛ أي ثلاثة أيام فقط قبل الانقلاب على بن بلة.
 وفى يوم 30 أفريل 1966 فرّ آيت أحمد من سجن الحراش، ويُقال بأن الأمر تمَّ بتسهيل من بومدين، الذي عزَّ عليه بقاء شخصية بحجم آيت أحمد نزيل السجن، لا هو يستطيع العفو عنه لأنه كان حديث العهد بقيادة البلاد بعد الانقلاب الذي نفذه ضد بن بلة، ولا هو يستطيع تنفيذ العقوبة عليه لتاريخه ووزنه ودوره في ثورة التحرير، واضطر للعيش في المنفى بأوروبا دون التخلي عن نشاطه السياسي. 

500 مناضل قتلوا 
المجاهد محمد مري والذي ناضل من أجل استقلال الجزائر لم يتم الاعتراف بما قدمه للوطن، لكنه ينتظر اليوم إلى جانب العشرات من قدامى حزب جبهة القوى الاشتراكية الاعتراف بهم، وأكثر من ذلك يطالبون بضرورة الحصول على اعتراف كامل بمن وصفهم بـ"شهداء الأفافاس" الذين رفعوا السلاح مع آيت أحمد ضد السلطة في 1963 وقتلوا خلال مواجهات مسلحة مع الجيش في تلك الفترة، وإقرار اعتراف كامل بنضال الأفافاس بالإضافة إلى تسوية وضعية قدماء الحزب من مناضلين.
في يوم 30 أفريل 1966 فرّ آيت أحمد من سجن الحراش، ويُقال بأن الأمر تمَّ بتسهيل من بومدين، الذي عزَّ عليه بقاء شخصية بحجم آيت أحمد نزيل السجن، لا هو يستطيع العفو عنه لأنه كان حديث العهد بقيادة البلاد بعد الانقلاب الذي نفذه ضد بن بلة، ولا هو يستطيع تنفيذ العقوبة عليه لتاريخه ووزنه ودوره في ثورة التحرير.
وأكد محدثنا أن عدد مناضلي الحزب الذين قتلوا في الفترة بين 29 سبتمبر 1963 حتى 16 جوان 1965 بلغ 500 قتيل، بينهم 480 قتيل ملفاتهم مؤقتة ويتم تنظيمُها في الوقت الحالي، مضيفاً من جهة أخرى أن حزب الافافاس يسعى إلى تمكينهم من الاعتراف بهم كـ"شهداء كاملي الحقوق"، ومنح عائلاتهم نفس الامتيازات المادية التي تحصلت عليها عائلات شهداء الثورة التحريرية، مشيرا في هذا السياق إلى أن الاتفاق الحاصل في 16 جوان 1965 بين آيت أحمد والرئيس أحمد بن بلة، ثلاثة أيام قبل الانقلاب، ينص على الاعتراف الكامل بـ"شهداء الأفافاس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.