الطابو الأخير و تجدد روح “الجزائر فرنسية”

بيار دوم، مؤلف الكتاب المثير للجدل "الطابو الأخير":
"غالبية الحركى بقوا في الجزائر بعد الاستقلال"

 يتهم بيار دوم، مؤلف الكتاب المثير للجدل عن أعداد الحركى الذين بقوا في الجزائر بعد الاستقلال، رجل دين مسيحيا وحزب مارين لوبان، بمنعه من تقديم عرض عن نتائج التحقيق الذي أجراه بالجزائر، في مدينة بجنوب فرنسا. ويذكر أن “الجزائر فرنسية” واقع مستحكم في رجال السياسة الفرنسيين، وأن المواطنين الفرنسيين يريدون فعلا أن تعترف فرنسا رسميا بجرائمها الاستعمارية.

- تعرضت للرقابة بفرنسا على يدي قسيس كاثوليكي متحالف مع اليمين المتطرف
- من الخطأ الاعتقاد بأن كل الحركى الذين بقوا في الجزائر يوجدون في السلطة
- الوزير زيتوني قال إن أرقامي خاطئة.. أظن أنه لم يقرأ كتابي
- كتابي منتشر في الخارجية الجزائرية وردود الفعل فيها إيجابية للغاية
- نشهد تجدد روح “الجزائر فرنسية” وروبير مينار هو من يجسدها
-  حرب الجزائر لا تزال بعد 50 سنة تستعمل سلاحا للاشتغال بالسياسة في فرنسا

ستعقد ندوة صحفية الأربعاء المقبل بتولون، تتناول مؤلفك “الطابو الأخير” الذي كتبته بناء على نتائج تحقيق طويل حول الحركى الذين بقوا في الجزائر بعد الاستقلال. قبل بضعة شهور تعرضت للرقابة في تولون، هل يمكن أن تشرح ما جرى؟
في ديسمبر الماضي دعيت من طرف مجموعة الصداقة الإسلامية المسيحية بتولون، (جنوب فرنسا) بهدف عرض التحقيق الذي أنجزته حول الحركى الذين بقوا في الجزائر، ولازالوا أحياء حتى اليوم. هذه المجموعة تقع تحت سلطة القسيس الكاثوليكي بتولون دومينيك راي. فجأة وقبل أسابيع قليلة عن موعد المحاضرة، أبلغت بأنها ألغيت ومن دون تفسير.
أصدقائي في تولون متأكدون بأن القسيس تدخل لمنع إلقاء المحاضرة. هذا القسيس معروف بقربه من اليمين المتطرف بفرنسا، وخاصة ماريون ماريشال لوبان حفيدة جان ماري لوبان. والحقيقة أن صلات وثيقة جمعت دوما اليمين المتطرف وورثة متطرفي “الجزائر فرنسية”، أقصد ورثة منظمة الجيش السري، والعساكر الانقلابيين وكل الذين رفضوا أن تصبح الجزائر جزائرية. هؤلاء المتطرفون يبغضون كتابي “الطابو الأخير”. فمنذ 50 سنة يذكر هؤلاء أن “كل الحركى” تم “سحقهم” من طرف جبهة التحرير الوطني في 1962، أما التحقيق الذي أجريته يبين بأن ذلك غير صحيح.
في ظرف ثلاث سنوات، قطعت آلاف الكيلومترات بالجزائر، بحثا عن قدامى الحركى ممن هم على قيد الحياة. وفي ختام كتابي، أذكر أن غالبية الحركى بقوا في الجزائر، ولم يتعرضوا للقتل.
 بعد نشر كتابك بفرنسا في أفريل 2015، كان منتظرا نشره بالجزائر من طرف مؤسسة “سيديا”. لكن في آخر لحظة، رفضت المؤسسة نشره بحجة أن قضية الحركى لا تناسب خطها التحريري. ماذا يعني هذا؟ ماذا يؤاخذ عليك بالضبط؟ علما أن مسؤولي “سيديا” يرفضون ما أشيع بأنهم مارسوا الرقابة عليك.
 في الجزائر، يطرح مشكل آخر. فمنذ 50 سنة يروي التاريخ الرسمي أن “كل الشعب ثار ضد المستعمر المستبد في 1954”، وأن الحركى، الذين كان عددهم بالتأكيد قليلا، يكونون قد سافروا إلى فرنسا عام 1962، ما عدا عددا قليلا منهم يكون الشعب قد قتلهم في إطار “انتقام شرعي”. غير أن كتابي يبين أمرين. أولا أن الحركى كانوا كثرا جدا، حوالي 400 ألف شخص، وربما أكثر من العدد الحقيقي للمجاهدين. وثانيا أن عددا قليلا منهم هاجر إلى فرنسا، حوالي 25 ألفا. آلاف كثيرة تعرضوا فعلا للقتل في 1962، ولكن الغالبية ظلت على قيد الحياة. وهذه الحقائق التاريخية التي أوضحها في كتابي لا تناسب الخط الرسمي لتدريس التاريخ بالجزائر. وفيما يخص دار النشر “سيديا”، أعتقد أن “خطهم التحريري” يتمثل خصوصا في أنهم لا يغضبون بعض الأشخاص في مناصب عليا، ممن لا يريدون أن يعاد النظر في التاريخ الرسمي.

كيف ينظر الجزائريون والفرنسيون إلى مقاربتك للحركى في “الطابو الأخير”، بعد قرابة عام من صدوره؟
 لقي كتابي بفرنسا إعجابا من طرف كل المؤرخين الجادين، وكل الأشخاص المقتنعين بأنه كان ينبغي على الشعب الجزائري أن يحصل على استقلاله، وأن كل الحركى في نظرهم ليسوا بالضرورة أوغادا وخونة. هؤلاء الناس يعلمون أن الحقيقة معقدة، ويعلمون أنه في النهاية الحركى هم أيضا ضحايا ظلم الاستعمار.
غير أن كتابي تكرهه كل أوساط “الجزائر فرنسية”. هذه الأوساط لم يسبق لها أبدا أن ضمت عددا كبيرا، ولكنها تحدث صخبا، هؤلاء ينظمون مظاهرات وتتحدث عنهم وسائل الإعلام. هذه الأوساط موجهة من طرف قدامى منظمة الجيش السري، وقدامى الانقلابيين الذين يستثمرون في آلام الحركى وأبنائهم. والبعض من أبناء الحركى لا يقوون على التحرر من هذا التوظيف، ويرددون الفكرة الخاطئة “مجازر عامة بحق الحركى”، بينما عندما أسألهم يقولون إن لديهم أعماما وأبناء عمومة حركى بقوا في الجزائر ولم يقتلوا.
وفي الجزائر، جرى الحديث عن كتابي حتى قبل أن ينشر. أعتقد أن الغالبية في الجزائر سئمت من التاريخ الرسمي، وتريد أن تعرف الحقيقة حول حرب التحرير. أتلقى يوميا رسائل من جزائريين، بفضل فيس بوك، يبحثون عن قراءة كتابي، وأقول دائما إنه من الخطأ التصديق بأن “الحركى الذين بقوا يوجدون كلهم في السلطة في الجزائر”!
والحركى الذين بقوا مزارعون فقراء عادوا إلى حياتهم البدوية، وهم في العموم يعانون منذ 50 سنة من الإقصاء الاجتماعي في قراهم. لقد تعرضوا للإهانة والشتم، وأبناؤهم أيضا. إن وصف “ابن الحركي” و”بنت الحركي”، شتيمة لا تزال تردد في الجزائر للأسف، وكأن الابن والابنة مسؤولان عن أفعال أبيهما.

هل تلقيت ردود فعل من مسؤولين جزائريين بعد صدور الكتاب؟
مباشرة بعد صدور كتابي في فرنسا، صرح وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، أن الأرقام “خاطئة تماما”. أظن أنه لم يقرأ كتابي، فلو فعل لكان لاحظ أن كل رقم قدمته مبني على دراسات تاريخية وعروض قوية جدا. ولكن في نفس الوقت أعي بأن إحصائياتي تضعه في حرج، لأنها تعيد النظر في التاريخ الرسمي الجزائري الذي يتمسك به السيد زيتوني جدا. غير أنني أدرك أن كتابي منتشر في وزارات أخرى، خاصة وزارة الخارجية، وردود الفعل فيها إيجابية للغاية.

“الجزائر فرنسية”.. هل لديها وجود اليوم في نفوس بعض الفرنسيين، سواء كانوا سياسيين أم مواطنين عاديين؟
 نعم، وللأسف نشهد منذ بضع سنوات ما يشبه تجدد روح “الجزائر فرنسية”. فكرتي تتجه مثلا إلى فوز روبير مينار، عمدة بلدية بيزيي (جنوب فرنسا). مينار هذا مقرب من مارين لوبان، ويجسد روحا جديدة خطيرة جدا على انسجام المجتمع الفرنسي. وفي كل خطبه، يعقد مقارنات بين معارك الجيش السري في 1960 ضد “إرهابيي الأفالان”، ومعاركه هو اليوم ضد المهاجرين المغاربيين وضد “كل الإرهابيين المسلمين”. إنها فضيحة!
إنه لأمر لا يصدق أن نلاحظ بأن حرب الجزائر تظل، بعد 50 سنة، مستعملة في الخطاب السياسي الفرنسي كسلاح للاشتغال بالسياسة اليوم! وهذا السلاح يوظف في سكان بيزيي، الذين يستمرون في التصويت لصالح روبير مينار.

زار وزير المجاهدين الجزائري فرنسا الشهر الماضي، والتقى نظيره جان مارك تودتشيني وبحث معه ملفات التجارب النووية في الصحراء، والمفقودين بعد الاستقلال وأرشيف حرب التحرير. غير أن مسألة الحركى غيبت عن الزيارة والمحادثات، هل تعتقد أن الطرفين غير مستعدين حاليا للخوض في هذا الملف؟
 نعم هذا صحيح. مسألة الحركى تمثل حقا “الطابو الأخير” في كل من المجتمعين الجزائري والفرنسي، وبالتالي في العلاقات بين البلدين. وحتى يسقط هذا الطابو، ينبغي أن تعترف فرنسا رسميا بأن كل استعمار هو فضيحة، وأن الاستعمار الفرنسي كان بوجه خاص فظيعا وقاتلا.
وبمجرد أن يتم هذا الاعتراف ستسقط كل أشكال الانسداد بسرعة، وغالبية المواطنين الفرنسيين تؤيد هذه الفكرة، لكن رجال السياسة هم من يرفضون التسليم بها.

هل يحدوك أمل في أن يلقى “الطابو الأخير” طريقه إلى النشر يوما ما بالجزائر؟
 نعم بلا ريب. فأنا على علم بأن الكثيرين يرغبون في قراءته، ليس هذا فحسب، بل أن مؤسسات نشر أخرى أكثر شجاعة من “سيديا”، اتصلت بي.. لدي ثقة في القدرة الرائعة للمجتمع الجزائري على مد الديمقراطية ونقاش الأفكار بالحياة، رغم كل العقبات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.