الأسرار الخطيرة لمقتل عبان رمضان من طرف رفاقه في تيطوان المغربية 1

كيف سقط في الكمين قبل 57 سنة ؟
كيف قتل العقداء الثلاثة عبان رمضان ؟
الحياة
جريدة كل الجزائريين

في 22 ديسمبر ، تحل الذكرى " لموت " أو " قتل " أو " اغتيال عبان رمضان " .
رغم مرور أكثر من نصف قرن على هذه المأساة ، ما زال موت عبان رمضان يثير الرعب والخوف ، ومازال هذا الموت يثير الأسئلة حول مسؤولية المدبرين والمخططين لمقتله ، ولحد الساعة تتناقض الروايات حول هذه المأساة ، والشيء الوحيد المتفق عليه ، هو أن عبان رمضان ، أحد أهم قادة الثورة ، قتل من طرف رفاقه في القيادة ، قادة مثله برتبة عقيد ، قتلوه بدم بارد وبوحشية ما زالت تثير الأسى .
من صفى عبان رمضان ؟
هل قتله " رجل مخابرات الثورة " عبد الحفيظ بوصوف بمفرده ؟ هل شارك في القتل كريم بلقاسم الخصم رقم واحد والعدو اللدود لعبان ؟ وهل محمود الشريف ، العقيد المكلف بالتسليح خلال الثورة حتى سنة 1960 كانت له يد في ذلك ؟ ما هو دور لخظر بن طوبال واعمر اوعمران في قتل الرجل ؟ أكثر من ذلك ، هل كان الأعضاء الأخرين في لجنة التنسيق والتنفيذ ، وهم عبد الحميد مهري وفرحات عباس و بن يوسف بن خدة وسعد دحلب ، على علم بقرار قتل عبان ؟
وقبل البحث عن القاتل ، لماذا قتلوه ؟
من المعروف أن عبان كان على خلافات حادة مع العقداء الثلاثة ، كريم بلقاسم ، عبد الحفيظ بوصوف و لخضر بن طوبال ، وهو يرى أن مستواهم السياسي ضعيف ويفضلون البقاء في الخارج ، وكان يشتمهم بطريقة مباشرة وعلنية ، وكان يشبه بلقاسم كريم بالحمار، واستعمل هذا الوصف مرارا .
هل هذا هو سبب قتله بتلك الطريقة الوحشية ؟ أم هناك أسباب أخرى دفعت بقاتله أو قاتليه ، إلى الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة .
وبعد مقتله ، كيف تم اكتشاف العملية ؟ ومن اكتشفها ، وكيف كان موقف قادة جبهة التحرير وجيش التحرير ؟ وخاصة موقف رفاق الضحية والقاتلين ، في لجنة التنسيق والتنفيذ ، وهي بمثابة حكومة الثورة ، وكذلك اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، وهي بمثابة برلمان الثورة .
قصة اغتيال عبان رمضان قصة مرعبة ، خطيرة ومخيفة ، وألقت بظلالها حتى بعد الثورة ... إلى مرحلة ما بعد الاستقلال .
" الحياة " تفتح هذا الملف ، وتقدم للقارئ أهم الشهادات في هذه القضية ، شهادات قدمها بعض قادة الثورة أنفسهم بينهم فرحات عباس ، وكريم بلقاسم نفسه وعلي بومنجل ، ومحمد لبجاوي ..
في هذا الملف ، يتم تقديم شهادة كل طرف ، دون تعليق ، دون حذف أو زيادة ، حتى يكون القارئ وجها لوجها مع الحقيقة .. مهما كانت هذه الحقيقة مؤلمة ومرة ..
الكذبة المشينة : لقد مات في ميدان الشرف .. وهو يقاتل العدو
بعد خمسة أشهر من مقتل عبان رمضان ، وأمام إصرار بعض قادة جبهة التحرير وجيش التحرير في تونس والجزائر والمغرب ، على معرفة مصير الرجل الذي اختفى دون سابق إنذار ، نشرت جريدة المجاهد ، خبر " استشهاد عبان رمضان في ساحة الوغى وهو يحارب العدو " ونشرت نعيا ملفتا ، لنقرأ ماذا نشرت المجاهد "
" تعلن جبهة التحرير الوطني بأسى ، موت الأخ عبان رمضان ، الذي توفي في التراب الوطني متأثرا بجراح خطيرة أصيب بها في مواجهة عنيفة بين فرقة من جيش التحرير الوطني ، المكلفة بحمايته ومجموعة من قوات الجيش الفرنسي "
ثم قدمت " المجاهد " لسان جبهة التحرير والتي أنشأها عبان رمضان بنفسه ، شرحا مفصلا لكيفية وفاته وهو يحارب العدو " 
لقد تم تكليف الأخ عبان في ديسمبر 1957 بمهمة كبيرة ومستعجلة ، مهمة مراقبة في داخل البلاد ، وقد تمكن رغم العديد من المشاكل من اجتياز حواجز العدو للوصول إلى وجهته ، وكانت مهمته تتم ببطء لكن في هدوء وثبات من خلال الوعي والدقة التي يتميز بها جنودنا . لقد كان عبان يواصل مهمته بشكل يومي ويتصل باستمرار وبدون كلل بقادة جيش التحرير والمحافظين السياسيين ، وكان يزور كل المناطق و كل الجهات ، محاطا بحب وإعجاب كل إخوانه ، وتم تكليف " مجموعة من المقاتلين " خصيصا لحمايته ، ولا أحد كان يتوقع أن يتعرض (عبان ) لهذا الحادث الوحشي الذي خطفه على حساب الجزائر المجاهدة .
ثم تواصل جريدة المجاهد تقديم الخبر" المظلل والمزيف " بالتفصيل للجزائريين ، " لكن للأسف خلال الخمسة عشر الأولى من شهر أفريل وقعت مواجهة عنيفة بين قواتنا وقوات العدو ( كان عبان قد قتل منذ 4 أشهر ) مما جعل الفرقة المكلفة بحماية أخينا عبان مضطرة للمشاركة في المواجهة ، وخلال المعركة التي دامت عدة ساعات ، أصيب عبان بجروح وكنا نظن أن هذه الجراح ليست خطيرة ، فقد تم التكفل به طبيا بسرعة ، وكنا نظن أن البنية الجسدية لعبان ستساعد على شفائه ، وخلال أسابيع لم تصلنا أخباره معتقدين أنه انتصر مرة أخرى على خصومه ، لكن يا للأسف تعرض عبان الى نزيف حاد قضى عليه . هذا هو الخبر المحزن الذي وصلنا .
إن الوجه الحسن والسمح لعبان وإرادتة وعزيمته كذلك تركت بصماته واضحة في سجل المراحل الأساسية لثورة الشعب الجزائري " .
الحقيقة الأخرى .. حقيقة الرفاق
ثم تقدم " المجاهد السيرة الذاتية لعبان فكتبت ما يلي " ولد في 1919 ودر س في مدرسة البليدة ، يتمتع بثقافة كبيرة ، و كان عضوا في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ابتداء من 1946 ، وتميز عن غيره بقدرته الفائقة على التنظيم ، أصبح عضوا باللجنة المركزية وقائد ولاية الشرق ( قبل مؤتمر الصومام ) ، تم توقيفه وسجنه لمدة 6 سنوات ، وقد تسببت شجاعته في سجنه لفترة طويلة ، وهكذا بدأ جولة طويلة في السجون المركزية بين الجزائر وفرنسا .
أطلق سراحه في فيفري 1955 ، فانظم فورا إلى جبهة التحرير الوطني ، والتي أصبح ، في فترة وجيزة ، عضوا قياديا بها ، وبهذه الصفة لعب دورا مهما في تنظم مؤتمر الصومام في آوت 1956، وتم تعيينه عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ ، أقام في الجزائر العاصمة ، وقاد مع إخوان أخرين معركة الجزائر من ديسمبر 1956 الى مارس 1957 ،و فلت بأعجوبة من قبضة الجنرال ماسي ، غادر الجزائر للمشاركة في مؤتمر القاهرة في آوت 1957 " ، هنا توقفت السيرة الذاتية لعبان حسب جريدة المجاهد ، لكن الجريدة أنهت برقيتها ، وفيها نعيه ، بما يلي " لقد فقدت جبهة التحرير واحد من رجالها المنظمين ... إننا نبكي أخا مجاهدا ، الأخ الذي سنسير على ذكراه ...المصدر . المجاهد 29 ماي .195
هذه حقيقة جريدة " المجاهد " ، لكن حقيقة " عبان رمضان " حقيقة من نوع أخر ، لا مات في ساحة الوغى ولا مات في الجزائر ، لقد قتل عبان في فيلا تملكها جبهة التحرير قرب مدينة " تيطوان " بالمغرب ، وقتل من طرف رفاقه في القيادة وليس من طرف مجموعة من قوات العدو .. وبعد معركة شرسة
اللغة الوحيدة .. لغة السلاح
قدم محمد لبجاوي ،أحد قادة جبهة التحرير الوطني ، شهادته في كتابه " حقائق حول الثورة الجزائرية ، منشورات غاليمار . باريس.1970 . يقول محمد لبجاوي " حان الوقت لنقول بصوت عال ما يعرفه البعض وما يحسه البعض الأخر ، والذي ما زال يسمم حياتنا بعد 11 سنة ( من تاريخ الاستقلال ) . إن عبان رمضان لم يمت في ساحة المعركة أو ساحة الشرف، لقد تم إسقاطه في فخ ، في كمين ، بطريقة جبانة ، وتم قتله بدم بارد من طرف اولئك الذين كان يعتقد أنهم إخوانه . إن الذين يقدرون خطورة ما حصل و حجم خطورة قتل عبان ، هم أولئك الذين كان لهم الحظ أن عملوا معه ، مثلي ، . لكن لا أحد سيبقى غير مهتم بمصير رجل كان أهم منظم لعمل المجاهدين في داخل البلاد ، لقد سقط عبان في الحقيقة فقط لأنه أراد أن يبقى وفيا لهم ( المجاهدين في الداخل ) إنه مناضل بحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، وقلنا ذلك مرارا ، وأحد الرجال السريين للمنظمة الخاصة ، ( أوس) كان عبان في السجن لما اندلعت الثورة في 1 نوفمبر ، لكن بمجرد خروجه من السجن في 1955 انظم إلى جبهة التحرير ، أين لعب ، وبسرعة فائقة ، دورا مهما ومحوريا في نجاحها .
يواصل لبجاوي تقديم بعض المعلومات عن دور عبان في تنظيم الثورة ورؤيته للعمل المسلح ونضاله ، قبل أن يدخل في صلب الموضوع وحتى يضع القارئ في صلب القضية " إن تنظيم الثورة ، في تلك المرحلة كان في بدايته ، وكانت هناك معارك ومجاهدون في منطقة القبائل والأوراس وفي مناطق أخرى ، وقد بدأت تنتشر وتتوسع ، لكن الحركة الوطنية الجزائرية لمصالي الحاج ، كانت موجودة كذلك وحدث خلط كبير لدى الرأي العام بين الجبهة والحركة ( الحركة الوطنية التي أسسها مصالي خلال الثورة ) وهذا ما بدأ يقوم به عبان بمجرد ما تحمل في الجزائر العاصمة المسؤوليات السياسية .
التقيته لأول مرة في 1955 ، كان على علم بالعمل الذي قامت به شبكتنا ، فطلب أن يقابلني ، وهو ما تم بواسطة من حديدوش ، في منزل بالقصبة ، قمنا بنقاش طويل جدا واختلفنا بشدة .
رؤيتي ومفهومي للثورة الجزائرية ، مثلما شرحته له ، كان واضحا : علينا أن ننظم جميعا إلى جبهة التحرير ، أكبر قدر ممكن من الجزائريين من جهة ، ومن جهة أخرى العمل على عزل وإبعاد أكبر عدد من الكولون الأوربيين عن الجزائر إن استطعنا ، أو نكسبهم لصف القضية الوطنية أو نقوم بتحييدهم ، وعلينا أن نقوم في نفس الوقت بعمل سياسي كبير في دول المغرب العربي ، ثم في فرنسا وأخيرا في العالم .
لكن عبان كانت له رؤية أخرى ، هي أن كل عمل مع الأوربيين في الجزائر لن تكون له أي فائدة وأن اللغة الوحيدة التي يجب استعمالها هي لغة السلاح .
أنتم لا شيء... عودوا إلى الداخل
فهمنا لاحقا أن الأمر يتعلق خصوصا ، من طرفي ومن طرفه، باختلاف طريقة الحديث أو اللهجة ، فالحرب المسلحة بالنسبة لي لا تكفي وحدها ، لكنها مصيرية ومهمة ، وكان هو لا يستبعد العمل السياسي ولكنه يركز على العمل العسكري . وهكذا نشأت بيننا صداقة عميقة كانت تتعمق باستمرار ، وبدأنا منذ ذلك اليوم نعمل بتنسيق كبير بيننا ، أقولها الآن ، لقد كان وهذا بالتعاون معي ، المنظم الأول والأكبر لمؤتمر الصومام ، وبعد المؤتمر ، تم انتخابي ، وهذا باقتراح منه ، بالإجماع العضو الوحيد في اللجنة الثورية للوحدة والعمل ( برلمان الثورة ) ، وشاركت بصفتي عضوا ، كامل العضوية ، في أشغال لجنة التنسيق والتنفيذ ( حكومة الثورة ) وكنت أراقب وأرى كيف أن هذا الرجل الذي يصفه الذين لا يعرفونه جيدا بالمتسلط والعنيف ، لقد كان في الحقيقة متسامحا ويقبل النقاش إذا كان المتحاور معه قادرا على ذلك . إنه ليس رجلا مشككا ، وقد أكسبه عمله في الجزائر العاصمة سلطة كبيرة معتبرة ، وقد استاء كثيرون من ذلك ، ولم تكن القضية ( قضية تسلطه وجبروته ) تطرح أبدا مادامت لجنة التنسيق والتنفيذ موجودة في الجزائر ، إن شخصية عبان تفرض نفسها بقوة الأشياء ، ولم تتأخر( هذه الشخصية في الظهور ) ، حيث ظهرت لما قررت هذه الهيئة التي تسير الثورة وبفعل ضربات المظليين مغادرة التراب الوطني في صيف 1957 للإقامة في تونس . إن هذه الإقامة نفسها ( في تونس ) كانت في الواقع السبب الأول في ظهور الخلافات بل كانت أول مصدر للخلاف ، إن خروج لجنة التنسيق والتنفيذ ( من الجزائر إل تونس ) ، كان يراها عبان خروجا مؤقتا ، ويجب أن تعود إلى التراب الوطني بسرعة وفي اقرب وقت ممكن حتى تدير المعركة من الداخل ، وقد أدت الشهور الأولى لوجود لجنة التنسيق والتنفيذ في تونس إلى تأكد هذه القناعة لديه ( لدى عبان ) ، لقد لاحظ بالفعل أن الحياة في الخارج تستطيع بسهولة أن تقطع علاقة أي قائد بحقائق الكفاح في الأرض وأن تفقده الرؤية الصحيحة للأوضاع ، هذا إن لم تؤدي به إلى حياة وأسلوب معيشة أخر لا يتلاءم مع المسؤوليات التي يضطلع بها .
إن عبان لم يضع أي فرصة للتذكير بهذه الحقيقة ، ضرورة العودة إلى الداخل ، وانتقاده العلني لسلوكات بعض المسؤولين ، ولأنه رجل صريح ولا يخفي مشاعره ، فإنه اتخذ موقفا عدائيا من اولئك الذين كانوا يستهدفونه ، لكن بسبب سلطته وشخصيته لم يتجرأ أي أحد على مواجهته ، هكذا وفي يوم من الأيام وهو يستقبل عددا من المسؤولين ، دخل في غضب عارم ، وهدد بإدانتهم بشكل علني وأمام الجميع .
كمين العقداء ..أو فخ المغرب
الكل يعرف بأن عبان رجل يمكنه تنفيذ ما هدد به بكل بسهولة ، وقد أصيب هؤلاء المسؤولين بهلع حقيقي ، ولا أحد تجاهل عواقب ما يقوم به عبان ، فهذا التهور و صراحته في الكلام سوف تقوم بتسريع الأشياء في الأحداث.فبعد وقت قصير من هذه الواقعة ، جاءت رسائل من طرف مسؤولي مخابرات الثورة بجبهة التحرير ، بدأت هذه الرسائل تصل من المغرب ، تقول هذه الرسائل أن هناك مشاكل عويصة بين السلطات المغربية والمسؤولين المحلين لجبهة التحرير بالمغرب ، وتحدثت تلك الرسائل عن توقيف مناضلين بالجبهة وحجز أسلحة للجيش التجرير..
في البداية لم يعر عبان اهتماما كبيرا للأمر ، حيث ترك لبعض المسؤولين حرية التصرف لتسوية هذه الخلافات ، وهي خلافات بسيطة حسب رأيه ، لكن شيئا فشيئا بدأت البرقيات ( التيليغرامات ) تتهاطل وتتكاثر عليه وشكلت عليه ضغطا كبيرا ، لقد جاء في تلك الرسائل أن المشاكل أصبحت كبيرة وخطيرة وأن المسؤول الوحيد المؤهل لحلها هو الملك محمد الخامس شخصيا ، وهو مستعد لذلك لكنه يشترط أن يتحدث بطريقة مباشرة مع المسؤول الأول على جبهة التحرير ، أي عبان رمضان ، لهذا تدخل كل من عبد الحفيظ بوصوف ، وكريم بلقاسم ولخظر بن طويال وطلبوا من عبان أن يذهب إلى المغرب .
اقتنع عبان بوجهة نظر الثلاثة ، ووافق على الذهاب للمغرب ، وتم الاتفاق على تاريخ محدد ، بعد أيام قليلة من ذلك ، تنقل بوصوف مسؤول الإتصالات إلى المغرب لترتيب زيارة رفيقه ( في السلاح ) ، وفي 22 ديسمبر طار عبان رمضان مرفوقا بكل من كريم بلقاسم ومحمود الشريف ، وكلاهما عضو في لجنة التنسيق والتنفيذ الى المغرب عن طريق اسبانيا .
فيما يتعلق بما حصل لاحقا ، هناك ثلاث شهادات أو روايات رئيسية وسنرى أنها تتفق كلها بشكل كبير مع الوقائع الأساسية وتقدم الكثير من التفاصيل ولا تختلف عنها إلا في بعض التفاصيل البسيطة ، خاصة حول تحمل المسؤولية بين االمسؤولين المباشرين عن المأ ساة ، أي كريم بلقاسم ، عبد الحفيظ بوصوف ولخظر بن طوبال .
بوصوف كان مثل الوحش داخل الفيلا ..
الشهادة الأولى هي للمحامي أحمد بومنجل ، وهو في تلك المرحلة أحد أهم مساعدي عبان رمضان والمقربين منه ، وهو كان يتابع بشكل مستمر تطور الأزمة في صفوف لجنة التنسيق والتنفيذ ، وقام باجراء تحقيق ، بصفة شخصية ، حول ما جرى في المغرب في 22 ديسمبر 1957.
بعد خروج لجنة التنسيق والتنفيذ إلى الخارج ، يقول بومنجل أن عبان قام بالفعل بتوجيه انتقاد لاذع ، وبشكل علني وأحيانا بطريقة قاسية لكل من كريم بلقاسم وبوصوف وبن طوبال ، ففهؤلاء ، حسب عبان ، يعتبرون أنفسهم زعماء كبار للثورة ولا يخضعون لأي مراقبة ، ولا يزحزحهم أحد ، في حين أن مستواهم السياسي ضعيف واقل من المتوسط ومتواضع جدا ، هذا الموقف من عبان جعلهم يتضامنون لمواجهته ، خاصة لما هددهم بالدخول إلى الجزائر وإدانتهم بشكل علني أمام المقاتلين .
ابتداء من هذا التاريخ بدأوا يجتمعون دونه وأحيانا يجتمعون دون علمه ، وكانوا يبحثون عن كل الوسائل لإضعافه والحد من سلطته ، والتأثير عليه أمام قيادة الجبهة وجيش التحرير ، لكن شخصية عبان وسمعته وسلطته حالت دون ذلك وجعلت تلك المهمة ، مهمة العقداء ، شبه مستحيلة ، من هنا بدأوا في رسم مؤامرتهم ، إن الرسائل التي كانوا يرسلونها من المغرب كانت غير صحيحة ومزيفة ، أرسلتها مصالح بوصوف وان قضية اختطاف مناضلي جبهة التحرير في المغرب وحجز أسلحة جيش التحرير من طرف الشرطة المغربية ومنع تمرير السلاح الى الجزائر والمشاكل الأخرى التي تم خلقها وتصورها وهي زائفة ، قد أقلقت وفاجأت منجلي وهو نائب عبان المكلف بالاعلام.
وحتى يتأكد منجلي بنفسه ويطمئن قلبه ، قام بزيارة صديقه العلمي وهو سفير المغرب في تونس واخبره بانه تفاجأ من موقف السلطات المغربية فنفي العلمي علمه بمثل هذه القرارات ، قال العلمي لمنجلي " ليس لدي أي علم بمثل هذا الأمر ، فطلب منه منجلي أن يستفسر بنفسه مع سلطات بلاده ، حتى يتأكد بشكل نهائي ورسمي . فوجه العلمي تيليكس ( برقية ) إلى سلطات بلاده في الرباط وتلقى الرد بسرعة ، جاء في الرد نفي قاطع وكامل من أعلى السلطات المغربية لمثل هذا الأمر ، فتملك الشك قلب بومنجل فأخبر عبان بوساوسه ، لكن مصالح بوصوف واصلت ارسال رسائلها إلى لجنة التنسيق والتنفيذ ، وهي رسائل ضاغطة وتتحدث عن مشاكل كبيرة في المغرب ، وتطالب بتدخل شخصي من عبان رمضان ، وهكذا وحتى يستوضح الأمر بشكل رسمي قرر عبان السفر الى المغرب معتقدا بان الرسائل التي وجهتها مصالح بوصوف رغم أنها تبدو مبالغ فيها قد يكون فيها شيء من الصحة ، حتى لو كانت السلطات المغربية كذبتها بشكل رسمي .
عبان في طريقه ...إلى عرين الأسد
ولأنه كان قد بدأ يفقد الثقة في زملائه الثلاثة في لجنة التنسيق والتنفيذ ، اتفق عبان مع احد أصدقائه المقيمين في تونس وهو "ر.ق" (هو مولود قايد المدعو رشيد ) أن يرسل له رسالة مشفرة من مدريد إذا لاحظ بان شيئا غير عادي . وبالفعل وصلت رسالة غير عادية من مدريد الى " ر ق" ( مولود قايد ) حسب الرمز المتفق عليه ، أشار عبان في رسالته إلى أمور غريبة حدثت حتى قبل أن يصل الى وجهته ، اي إلى المغرب .
بعد ساعات قلية ، حطت الطائرة القادمة من مدريد في المغرب ، وبسرعة قرر بوصوف ، الذي كان في انتظاره على أرضية المطار ، تنفيذ القرار الذي اتفق بشأنه مع رفاقه ، كريم بلقاسيم وبن طوبال ، موضع التنفيذ ، القرار هو قتل عبان رمضان ، حيث اقتيد عبن إلى فيلا تملكها جبهة التحرير في تيطوان وتم خنقه من طرف رجاله . 
يواصل منجلي روايته وشهادته ، وفق التحقيق الذي قام به شخصيا في هذه القضية .
" سألت كريم بلقاسم : كيف تستطيع أن ترد على هذه الاتهامات وهاهي بدقة الرواية التي رواها لي أنقلها بدقة مثلما نطق بها هوشخصيا .
يقول كريم بلقاسم " كان عبان يقوم بعمل تقسيمي ويسعى للتفرقة ، وكان يحاول تأليب المقاتلين والمناضلين ضد أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، وتم القيام بعدة خطوات من أجل إقناعه بالعدول عن مواقفه لكن بدون نتيجة . لقد لاحظنا بان عبان ، بدلا من أن يتواضع ، بدأ يصعد في مواقفه ويجعل منها مواقف خطيرة ، لهذا السبب قررنا ، نحن بن طوبال ، عبد الحفيظ بوصوف محمود الشريف ، اوعمران وأنا ( أي كريم بلقاسم ) توقيفه ومحاكمته لاحقا. فسألته : هل هذا القرار تم اتخاذه خلال اجتماع عادي للجنة التنسيق والتنفيذ؟ وبحضور أعضاء اللجنة الأخرين ( لجنة التنسيق والتنفيذ وهي بمثابة حكومة الثورة التي كان هؤلاء القادة أعضاؤها ) ؟ أجابني كريم بالنفي " لا ، لا فرحات عباس ولا بن خدة ولا سعد دحلب ولا مهري عبد الحميد تم إبلاغهم .. لم يكونوا على علم بالأمر .
لا يوجد سجن مضمون في المغرب .. يجب أن يقتل 
واصل كريم حديثه " في المطار ...استقبلنا بوصوف مع عدد من رجاله ، وبسرعة مسكني من ذراعي وسحبني بعيدا بعض الشيء عن الأخرين وقال لي " لا يوجد هنا سجن مضمون نضع فيه عبان ..لقد قررت تصفيته جسديا " ، تفاجأت وعبرت عن سخطي ورفضي ، رفضت الأمر فورا وقلت له " هذه جريمة لن أشارك فيها أبدا " ، ثم ، ونحن ما زلنا على أرضية المطار ، أبلغت محمود الشريف ، وقد أصيب بصدمة وعبر عن نفس الموقف الذي عبرت عنه أنا .
يواصل بلقاسم كريم تقديم شهادته " كان بوصوف مضطربا بشكل رهيب ، كانت عيناه جاحظتين ويديه ترتعشان " .
لا نستطيع أن نتكلم هنا ، قال لنا بوصوف . سنتحدث في الأمر لاحقا .
اندفعنا جميعا داخل السيارات التي كانت في انتظارنا ، لقد سارت هذه السيارات لفترة طويلة ، قبل أن تدخل إلى ساحة مزرعة معزولة . 
نزلنا جميعا من السيارات ، عبد الحفيظ بوصوف ، أنا ( كريم بلقاسم ) عبان رمضان ، ومحمود الشريف ، ومن كان معنا من رجال بوصوف ، ودخلنا إلى المبنى ( فيلا تملكها جبهة التحرير في تيطوان ) ...
يتبع ..
السبت المقبل : اللحظات التي لا يمكن تحملها .داخل الفيلا .... كيف خنقوه ومن خنقه ؟

===============================================
 الأسرار الخطيرة لمقتل عبان رمضان من طرف رفاقه في تيطوان المغربية 2
تفاصيل مرعبة عن قتل عبان رمضان كما يرويها " الإخوة " قادة الثورة
انقضوّا عليه في الغرفة وقيدوه ... ثم قتلوه .. خنقا
 إعداد: هابت حناشي
 أحد القتلة " بوصوف كان برأس وحش لا برأس إنسان "
في الحلقة الأولى ، توقفنا عند وصول عبان مع قاتليه إلى الفيلا التي كانت تملكها جبهة الاحرير في تيطوان ، حيث دخل كل من بوصوف ، كريم ، محمود الشريف ، وعبان ، وعدد من رجال بوصوف المكلفين بتنفيذ المهمة .. مهمة قتل الرفيق عبان رمضان .
لما دخلوا الغرفة الأولى بالبناية وجدوا عددا من الأشخاص في انتظارهم ، وبمجرد ما دخل عبان انقضوا عليه ، كانوا حوالي 6 أو 7 اشخاص ، بعد ذلك قيدوه ، وقام أحدهم بالضغط على رقبته وضيق الخناق على حلقه بكلتا يديه ، تلك القبضة تسمى عادة "الضربة القاتلة " .
كان عبان ، بفضل قوته الجسدية ، يحاول التخلص من أولئك الأشخاص الذين انقضوا عليه ويحاولون خنقه لكن دون جدوى .كانوا كثيرين وكانوا أقوى منه .
قاموا بجره وحمله إلى غرفة مجاورة ، وبوصوف معهم ، ثم أغلقوا وراءهم الباب .
يواصل بومنجل نقل الرواية التي سمعها من كريم بلقاسم العدو رقم واحد لعبان رمضان .
" لما شاهدنا ما يجري تحركت بهدف النهوض لمساعدة عبان و تقديم النجدة له ، لكن محمود الشريف أوقفني ، مسكني من يدي وانحنى بي جانبا ، قال لي بصوت منخفض جدا حتى لا يسمعه بوصوف " اذا تحركت سيقتلنا بوصوف جميعا" .
حسب تحقيق بومنجل ، لم يكن كريم بلقاسم مسلحا ومحمود الشريف كذلك لم يكن معه أي سلاح ، لكن الأخير وضع يده في جيب معطفه لإعطاء الانطباع لرجال بوصوف الذين بقوا في الغرفة الأولى بأنه مسلح .
يواصل بومنجل رواية تفاصيل الإجهاز على رجل الثورة ورفيق السلاح .
" من الغرفة المجاور بدأت تتصاعد صيحات عبان .. لقد كانوا بصدد خنقه ، كنا نسمح صيحات عبان وضجيج القتلة ، وفجأة ، بعد ثوان قليلة ، عم الصمت تلك الغرفة. بعد لحظة أخرى عاد بوصوف بطريقة شبه بدائية ومندفعة جدا .
بوصوف برأس وحش لا برأس إنسان
يقول كريم حسب تحقيق بومنجل " كان لبوصوف في تلك اللحظة رأس وحش لا رأس إنسان ، وبدأ في توجيه الشتائم والسباب وأطلق تهديدات مباشرة ضد كل شخص يحاول ، في المستقبل ، أن يعامله مثلما تعامل معه عبان . 
كان بوصوف يمشي داخل الغرفة بخطى متسارعة ، يمشي في كل اتجاه ، يأتي ويغدو وهو في حالة تشنج ويرتعش ، كان جسمه كله يرتعش ، وكان كريم بلقاسم يتخيل ويتساءل مع نفسه إن لم يكن بوصوف يفكر في قتلهما كذلك ، أي كريم ومحمود الشريف وهما في الغرفة .
في الفيلا الأخرى .. يقتل الكل أم لا ؟
بعد فترة هدأ بوصوف بعض الشيء وأصدر الأوامر بمغادرة الفيلا .
ركبنا جميعا االسيارات التي جئنا على متنها وسلكنا اتجاه مدينة " تيطوان " ، ، لكن هذه السيارات توقفت بعد فترة قصيرة قرب فيلا أخرى تملكها جبهة التحرير ، فيلا خالية .
كأن بوصوف كان ما يزال مترددا بشأن مصير كريم بلقاسم ومحمود الشريف ، في داخل الفيلا عاد القلق والتشنج يتملكان بوصوف ، لقد كان قلقا ومتوترا وبدأ يسير في الغرفة يأتي ويروح وهو ينطق ببعض الكلمات غير المفهومة والتهديدات وهذا في كل مرة يصل فيها أمام كريم بلقاسم .. لقد كان يتوقف أمامه وهو هائج ويحدق فيه كثيرا ثم يواصل السير .
في النهاية انطلق الموكب من جديد ، لكن هذه المرة ليتوجه نحو المطار ، أين كانت الطائرة في الانتظار ومستعدة للإقلاع ..
قبل الصعود الى الطائرة ، وهذا حسب شهادة كريم ، استنكر هذا الأخير ومحمود الشريف قتل عبان ، وأدانا جريمة بوصوف وقالا له انه يتحمل وحده المسؤولية ، وبمجرد وصولهم الى تونس أخبر كريم ومحمود الشريف لخظر بن طوبال الذي عبر هو الأخر عن سخطه ، و قرر الثلاثة الحفاظ على القضية سرا بشكل مؤقت ، وبالطبع ، بعد فترة قصيرة وجدوا أنفسهم في وضعية صعبة جدا ومعقدة ، فقد بدأ الكل ، بمن فيهم أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ بمعرفة أخبار عبان رمضان .
قال كريم وبوصوف وبن طوبال الذين جاؤوا منذ فترة قصيرة من المغرب أن عبان يقوم بمهمة كبيرة وسرية في المغرب . 
استمر هذا الوضع عدة شهور الى غاية اليوم الذي أعلنوا فيه بان رفيقهم عبان دخل في معركة خلال اشتباك مع العدو في الجزائر واستشهد في ساحة الوغى .. ساحة الشرف .
هذه هي شهادة كريم بلقاسم .
من خلال الوقائع نلاحظ بأن كريم يؤكد تماما أقوال احمد بومنجل ، والفرق الوحيد ، حسب كريم ، هو أنهم قرروا فقط توقيف وسجن عبان وليس قتله ، لكن ، رغم ذلك ، لا أحد يستطيع تبرير مثل هذا القرار غير الشرعي وليس فقط عملية وضع الكمين أو الفخ له وقتله .
في هذه النقطة توجد شهادة قدمها أحد المساعدين المباشربين لبوصوف .، إنه رئيس ديوانه خليفة لعروسي .
خليفة لعروسي يؤكد : ثلاث عقداء على الأقل قتلوه
يقول لعروسي " أبلغني بوصوف في أحد الأيام ، وهذا بحضور ثلاثة من مساعديه المباشرين ، أن قرار قتل عبان تم اتخاذه من طرف كريم بلقاسم ، محمود الشريف ، لخظر بن طوبال ، أوعمران وبوصوف نفسه ، وقد اظهر لنا وثيقة تؤكد أقواله ، وثيقة مذيلة بتوقيعات هؤلاء الخمسة . 
لكن لعروسي خليفة لم يقدم أي تفاصيل تؤكد بان الوثيقة حقيقية وأصلية أم لا ، " لأن بوصوف أظهر لنا الوثيقة بسرعة كبيرة ثم أخفاها ولم يتسلمها أي واحد منا لقراءتها ،مضيفا قوله " لما وصلوا الى المغرب كان بوصوف مرفوقا بعبد الجليل معاشو ( أحد مسؤولي جيش التحرير بالمغرب ) ، لكن لا يوجد ما يؤكد أن معاشو كان على علم بقرار قتل عبان ، بالنسبة للكوموندوس المكلف بالقتل داخل المزرعة فقد كان تحت مسؤولية احد رجال بوصوف ، إنه المدعو ( ح . ب ) ولكن من المحتمل أن هذا الأخير ، مثل المنفذين الاخرين ، لم يكونوا على علم بأن الضحية ، المكلفين بقتله ، هو عبان رمضان .
يواصل بومنجل نقل شهادة خليفة لعروسي ، رئيس ديوان عبد الحفيظ بوصوف .
" لم يتخذ بوصوف أبدا قرار قتل عبان بمفرده ، فإذا لم يكن قد تحصل على موافقة رفاقه الأخرين ، فإنه ، على الأقل ، تلقى موافقة لخظر بن طوبال وكريم بلقاسم .
هناك شهادة اوعمران الذي قمت انا شخصيا باستجوابه في تونس بمجرد خروجي من السجن . لقد أعطاني رواية متطابقة للرواية التي تتحدث عن قرار توقيف وسجن عبان . لقد وافق على هذا القرارفقط ، لكنه يحمل قرار ومسؤولية الجريمة للأخرين وحدهم .لقد حرر لي نصا مكتوبا حول هذه القضية ، يقول بومنجل .
لما اشتدت أيدي القاتل حول رقبة عبان
يجب أن لا نترك أنفسنا نضيع او نظل الطريق ، فمهما كانت بشاعة الجريمة فان الخطوة المصيرية اتخذت ، ليس لما اشتدت يدي القاتل حول رقبة عبان بل لما أوقعه رفاقه في الفخ ، في الكمين ، لما قام 3 أو 4 أو 5 من أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ وخارج إطار اجتماعات هذه الهيئة ودون أن يكون للمعني أي فرصة ليشرح موقفه ، قرروا بشكل فردي وشخصي توقيف وسجن ، أو قتل ، أحد إخوانهم . هذه هي الجريمة الأساسية.
لم ينف أي واحد من الخمسة المسؤولية أو نفي الوقائع ، بل هناك ما هو اكبر وأخطر، فاذا كان بوصوف وحده من يتحمل المسؤولية ، لماذا لم يوجهوا له تهمة القتل أمام لجنة التنسيق والتنفيذ ( حكومة الثورة ) او المجلس الوطني للثورة الجزائرية ( برلمان الثورة ) .؟ عوضا عن ذلك لم يهتم هؤلاء وأولئك إلا بمشكلة واحدة، هي إخفاء الجريمة والتستر عليها . ففي كل اجتماع للجنة التنسيق والتنفيذ وخلال شهور لم يكن الأعضاء على علم بالأمر خاصة فرحات عباس ، كانوا يتطرقون باستمرار وبذهول لغياب عبان رمضان ويطالبون بمعلومات عنه ، وفي كل مرة كان كريم بوصوف وبن طوبال يضاعفون من التطمينات والتهدئة ، أي تقديم الأوهام والكذب ، وهذا حتى ظهور خبر موت عبان والذي غلف هو الأخر بكذبة أخرى .. استشهاده في ساحة الشرف ..
نتيجة أخرى يجب التطرق اليها هي أن نظام العقداء الثلاثة ، الباءات الثلاث ، بدأ بالفعل منذ تاريخ اغتيال عبان رمضان بالفعل . من داخل لجنة التنسيق والتنفيذ ثم داخل المجلس الوطني للثورة الجزائرية ، من هذا التاريخ بدأ حكم الثلاثي كريم بوصوف وبن طوبال .
سلطة وسطوة الباءات الثلاث
من هذا التاريخ أيضا يمكن القول أن هدفهم الأول ، هدف العقداء الثلاثة ، هو أن لا يترك أي أحد منهم يتفوق على الإثنين الأخرين ، فلما طرحت فكرة رئاسة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لم يتم تعيين فرحات عباس ثم بعده بن يوسف بن خدة ، إّلا بسبب الخوف والشك المتبادل بين الأعضاء الثلاثة ، لان كريم كان هو من المفروض أن يكون رئيسا للحكومة المؤقتة ، لكن لا بوصوف ولا بن طوبال وافقا على ذلك .
كان يشكل خطرا .. لأنه تحالف مع حاج علي
قدم كريم وجهة نظره في اغتيال عبان ، في نص مكتوب قبل فترة قصيرة عن مقتله ، مشنوقا في فندق بمدينة فرانكفورت الألمانية في 1970 ، لقد قتلوه بنفس الطريقة التي قتل بها عبان رمضان .. مخنوقا في غرفة بفندق .
يقول كريم بلقاسم :
" أصل الآن إلى مرحلة مؤلمة ، والتي تم حجبها بطريقة متعمدة وممنهجة وتم تحريفها من طرف الرواة المتحيزين ، إنها قضية اختفاء عبان المأساوي ، وخلافا لافتراضات محمد لبجاوي ، سأقدم هنا كل مراحل البداية الواعدة وحتى النهاية القاسية لحياة هذا المناضل .
إنني أنا من عينه ( أي عبان ) في سنة 1955 في منصب رئيس المنطقة المستقلة للجزائر العاصمة ،كلفته ، خصوصا ، بربط بعض الاتصالات في داخل البلاد ، لكنه ، للأسف ، بدأ في تشكيل مجموعة من أصدقائه بهدف فرض سلطته ، كان يقوم بالتفرقة ، ويتعامل على أساس فئوي ، وهذا الأسلوب جلب نحوه اهتمام ونظرات الشك والريبة من طرف معظم رفاقه في النضال .
في مؤتمر القاهرة في أوت 1957 ، تم طرح قضيته على المسؤولين ، فقرر هؤلاء إجراء تغيير عميق في تشكيلة لجنة التنسيق والتنفيذ ، فقد كان الالتحاق المتأخر لكل من عباس فرحات ، الدكتور لمين دباغين وعبد الحميد مهري مناسبة لإحداث التوازن في تشكيلة الهيئة العليا ( لجنة التنسيق والتنفيذ ) والتي كانت محل انتقاد متواصل ، لقد تم إبعاد كل من بن خدة ودحلب ، ومنحت فرصة أخرى و أخيرة لعبان رمضان من طرف المؤتمرين ، إنه خطأ ومغالطة الإدعاء ، مثلما فعل لبجاوي ، بأن تجاوزات عبان تم إغفالها من طرف رفاقنا الثلاثة الجدد ، إن فرحات عباس كان يعرف محدودية وسائل سياسته ومحدودية قدراته في تلك اللحظات ، لذلك تراجع ، تراجع لما كان مطلوبا منه أن يواجه عبان لإجباره على تغيير سلوكه وجعل هذا السلوك أقل حدة وأن لا تطغى عليه روح السيطرة والهيمنة .
لقد تم تكليف فرحات عباس رسميا من طرف أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ بتوجيه أخر إنذار لعبان رمضان ، فقد بدأ يخيم جو من الحقد ، وكان عبان يعمل على تضخيم هذا الجو بدون أي تواضع أو اعتدال منه .
التقرير الذي استعمله محمود الشريف ضد عبان
بعد وقت قصير من ذلك ، تلقى محمود الشريف تقريرا أرسله ضابط سامي بجيش التحرير الوطني يعمل بالحدود ، و كشف محمود الشريف ، بأسى وأسف ، لأعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ أن عبان لديه اتصالات سرية مع الرائد حاج علي ، الذي كان قد انشق ، هذا الأخير كان قد وافق على تحريك كتائبه الى تونس ،" لتطهير " لجنة التنسيق والتنفيذ ، وتنتهي ببسط ديكتاتورية شاملة لعبان رمضان . 
هذه المعلومات عن هذه العملية الخطيرة والإجرامية جعلت العقداء الخمسة أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ يشكلون محكمة خلاص وطني ، هذه المحكمة أصدرت حكما بسجن عبان رمضان ، هذا الحكم المخفف تقرر حتى نربح بعض الوقت نستغله لاحقا لإقناع عبان بتغيير مواقفه وسلوكه .
لكن للأسف ، سقط عبان في فخ أو كمين نصبته له مصالح بوصوف ، لقد رفض بوصوف قرار العقداء بحبس عبان متحججا بأننا في ثورة وأننا لا نملك سجونا مضمونة ومحمية ، وأؤكد اليوم بأن هذا الفخ كان سيؤدي بحياتنا نحن أيضا ، أنا ومحمود الشريف . إن بوصوف رجل قاس جدا ، قاس لأنه يخاف من الأخرين ويشك في كل الناس ، كان بوصوف قادرا على ارتكاب كل الجرائم ، وما يقال عنه من أنه رجل دموي لا تخفى على أحد ، إنها حقيقة وليست أسطورة .
إن الظروف التي قتل فيها عبان رمضان دفعت بنا ، أنا ومحمود الشريف لإعطاء كل التفاصيل لأعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ ، وعلى رأسهم فرحات عباس .
في أوقات الحروب لا يمكن أن نكشف للرأي العام قساوة قائد لا يتورع في سفك الدماء ، لقد اضطررنا لأن تعلن لجنة التنسيق والتنفيذ سقوط عبان في ساحة الشرف ...
قتلوه مع سبق الإصرار والترصد
كنت في تونس في 24 أكتوبر 1957 ، في نفس اليوم ، أخبرني رشيد قايد ( أحد أهم المقربين من عبان ) عن مجيء عبان رمضان . جاء هذا الأخير إلى الفندق الذي كنت نازلا به ، أخبرني عبان بالوضعية الجديدة التي تسبب فيها العقداء الثلاثة ، فقد تم إقصاؤه من اجتماعاتهم ، قال لي عبان " أن كريم الذي كان يشتكي في الجزائر العاصمة من سلوك وتصرفات بن خدة ودحلب ، لم يتم أبدا إبعاده وعدم إشراكه في اتخاذ القرارات والمداولات ، لقد ذهب العقداء بعيدا .. إنهم لا يحترمون أبدا قرارات المجلس الوطني للثورة الجزائرية ."
" لماذا - قلت لعبان - يتصرف العقداء بهذه الطريقة " ؟ ، ماذا فعلت لهم ؟ لم يفعل عبا ن أي شيء ضد العقداء ، فقط كان ينتقد ما هو ما يستحق الانتقاد . أجابني عبان بالقول " أنه لا يستطيع أن يوافقهم عندما يقومون باعمال تافهة " ، وجهت له انتقادات على عدم لطفه وتعامله بغلظة وشدة مع رفاقه ، وذكرته بأنه نسي التوصيات التي أعطيته إياها في القاهرة ، لقد ذكرته بمقوله " فوفنارغ " ( كاتب فرنسي مشهور ) " لما يكون صديقي أعور ، أفضل أن أشاهده من الجانب " ، قلت له أن العمل الجماعي يتطلب الذكاء والقدرة والموهبة ، لكنه يتطلب ، في نفس الوقت ، بعض الصفات النابعة من القلب ، إن الحرب جمعت أناس جاؤوا من كل الطبقات الإجتماعية ، وأنت تريد أن تكون لهؤلاء الرجال نفي الرؤية لمشاكلنا ؟ " .
كان عبان قلقا ومتوترا ، وساخطا ، قال لي " أطلب منك أن تقوم بتسوية هذه القضية ( إبعاده عن اجتماعات لجنة التنسيق والتنفيذ ) وإلا سأحمل رشاشي وأقتل البعض منهم " ، رديت عليه على الفور " هل قررت إرسالي إلى الخارج لتقول مثل هذا الكلام المؤذي ؟ أتريد رأيي ومشاعري ؟ أنت في حاجة لأن ترتاح ، سوف نرسلك إلى أوربا لتعالج أو إجراء عملية جراحية ( ( كان عبان يعاني من القرحة المعدية وتضخم الغدة الدرقية ) ولما تعود يكون الوضع قد تغير ، لكن عبان رفض اقتراحي ، كان العمل بالنسبة إليه ضرورة ، كانت الجزائر في حاجة لكل أبنائها .
إن لم يتوقفوا .. سأحمل رشاشي واقتل البعض منهم
بالنسبة إليه لم يكن أبدا يسعى للهيمنة أو السيطرة على الثورة ، بل هدفه هو وضع لبنته مع لبنات رفاقه الأخرين لبناء الجزائر .كان عبان يعيش من أجل هذا الهدف. فوعدته بأن استعلم ثم أرد عليه .
لقد هدا بعد ذلك ، وحدثني عن زوجته التي كان في انتظار مجيئها وعن ابنه ( كان قد ولد قبل وقت قصير ) وكلمني عن المستقبل أيضا ، لكن في تلك الليلة كنت أرى المستقبل أكثر سوادا من أي وقت مضى .
في التاسعة صباحا ، نقلتني سيارة إلى فيلا تقع خارج مدينة تونس ، كان العقداء هناك مع لمين دباغين وعبد الحميد مهري ، قبل افتتاح أشغال لجنة التنسيق والتنفيذ فاجأني عدم وجود عبان رمضان ، أخبرني كريم بلقاسم أنهم لم يوجهوا له الدعوة للمشاركة في الاجتماع ، أخبرتهم بأننا لا نستطيع ، في هذه الحالة ، أن نقرر اي شيء في غيابه ، ثم بدأ الضجيج يسيطر على أحاديثنا .
في حدود الحادية عشر ، جلسنا حول طاولة الاجتماعات ، لقد رفضت رئاسة الجلسة ، قد كنت تقريبا غير معني بالنقاش ، و كان الجو ثقيلا ومكهربا ، اتخذ دباغين ومهري نفس الموقف الذي اتخذته أنا ، وهكذا وصلنا للإنسداد ولم يتم بحث ومناقشة أي قضية ، بعد الظهر عاد العقداء بنفسية أفضل وقرروا توجيه الدعوة لعبان ، وابتداء من الغد حضر عبان الاجتماعات واستعاد موقعه بيننا ، لقد تواصلت اجتماعاتنا حتى 30 أكتوبر ، بطريقة عادية وبدون أي حقد أو ضغينة .
كان علي أن الزم الفراش لمدة 3 أشهر ممددا على لوحة خشبية ودون أي حركة ( بسبب حادث مرور خطير في المغرب ) ، كنت على هذه الحال ، عندما اتصل بي عبان من تونس ، للإطمئنان على صحتي ، وليبلغني أنه سيقوم بمهمة إلى المغرب ، طلبت أن يأتي عن طريق " مونترو" حتى أتحدث معه ، فأخبرني بأن كل شيء على ما يرام وأنه سيزورني من دون شك لكن بعد عودته من المغرب .. للأسف .. عبان لن يعود أبدا من المغرب .
إنه مهري هو من أبلغني بالنهاية الماساوية لصديقنا ، لقد صدمت .. هل عقداؤنا ، مثلما كان يردد عبان دائما ، ليسوا إلا صعاليك وقتلة ؟ لقد ذهب عبان إلى المغرب لحل مشكل مفترض مع جلالة الملك ( محمد الخامس ) و تم استدعاؤه للمغرب ببرقية جاءته من بوصوف ، وهي برقية مزيفة ومفبركة ، أعدت بالاتفاق مع عقداء أخرين ، أعضاء بلجنة التنسيق والتنفيذ ، وسافر عبان مرفوقا بكريم بلقاسم ومحمود الشريف .
خنقوا صديقه قبله بأيام قليلة
يجب أن نعرف ونصدق بأن هناك إصرار وترصد ، فقبل سفر عبان إلى المغرب . تم إبعاد اثنين من أصدقاء عبان عبرا عن رغبتهما في مرافقته من تونس إلى المغرب ، الأول هو الرائد حاج علي الذي أرسلوه في مهمة إلى المغرب ، والذي لم يعد منه أبدا (...قتل مخنوقا في المغرب كذلك قبل أيام قليلة من قتل عبان ) والثاني هو العقيد الصادق ، حيث ، وقبل أسبوعين فقط من سفر عبان الى المغرب ، كلفه كريم بمهمة الى القاهرة أين بقي هناك 6 أشهر ، حيث علم ، وهو وهناك ، بوفاة صديقه .
في تيطوان كان قتلة عبان ينتظرونه في فيلا تملكها جهة التحرير، قام الكولونيل بوصوف ، بالاتفاق مع كريم ، بتحضير عملية قتله ، لقد صعد في سيارة رفقة محمود الشريف وكريم بلقاسم ، لقد ذهب عبان وهو مطمئن نحو مصيره ...حيث كان الغدر والخيانة والموت في انتظاره ....
أول اجتماع للجنة التنسيق والتنفيذ تقرر في 14 فيفري ، وكان مقتل عبان في صلب نقاشاتنا و لم يكن العقداء فخورين بما فعلوا ، لقد تمسكوا بأكاذيبهم التي تشبه أكاذيب الأطفال " لقد دخل عبان إلى الجزائر " حسب قولهم .
قتلناه .. ولست نادما على ذلك
كنا نعرف أن هذا كذب ، لذلك قررنا عدم الاجتماع مرة أخرى إلا عندما نعرف ما هو مصير عبان رمضان .بعد أيام قليلة ، في 19 فيفري ، جاء كريم لرؤيتي ، قال لي كريم " لقد توفي عبان ,أنا أتحمل مسؤولية موته ، وأنا مقتنع ، بل أنا مرتاح الضمير ، إنه كان يشكل خطرا على الثورة .. أنا لست نادما أبدا على قتله " .قلت له " من سمح لك بأن تكون القاضي حتى تحاكمه ؟ وأنت ؟ من يحاكمك ؟ آلم تفكر بأن موت عبان سيسقط على رأسك وعلى رأس أبنائك في المستقبل .. أنا لا أتصور ولا أومن أبدا بأن عبان كان متهما بالخيانة ، خلال اجتماعاتنا بماذا كنتم تلومونه وتنتقدونه ، لقد كان موضوعيا و مستقيما اخويا ؟ في أي لحظة أبان عبان عن رغبته في السيطرة والهيمنة على الثورة وأظهر سعيا لا ليبسط تسلطه وديكتاتوريته ؟ أين نحن ذاهبون ؟ إن القضية تتجاوز شخص عبان رمضان ، لدنا قيادة لجبهة التحرير مشكلة من 9 اعضاء معينين من طرف المجلس الوطني للثورة الجزائرية . خمسة منهم يجتمعون ويقررون التخلص من أحدهم . هل لديك الحق في اتخاذ مثل هذا القرار ؟ 
لقد خلقوا سابقة خطيرة ، إنها ممارسات القرون الوسطى ، واصلت موجها كلامي لكريم بلقاسم " إذا واصلتم التصرف بهذه الطريقة ، فإنكم لن تنتهوا إلى تحقيق الجزائر الحرة ، بل ستخلقون جزائريين بعدد العقداء .."
بعد ذلك مباشرة أعلنت عن تقديم استقالتي .
عبر كل من بن طوبال وعمار بن عودة عن وجهة نظرهما ، لقد طرح مقتل عبان مسألة خطيرة ، قمت بتوجيه هذه الكلمة لهم جميعا " إن الجزائر لا حظ لها ، الجزائر بلد سيء الحظ ، أبناؤها يغيرون من بعضهم البعض ، وغير منضبطين ، يتفاخرون بالغدر والدسائس ، يهملون الأساسيات ويهتمون بالأمور التافهة .. إن المستقبل غير مضمون ، وسوف يفرض المحتالون والخبثاء قوانينهم .
بعد ذلك وجهت انتقادات لاذعة لمحمود الشريف ، فقط ساند قتل عبان بحضوره تلك الجريمة البشعة ، رد علي محمود الشريف بقوله " لقد كانت نيتي سليمة ، كنت أظن أنهم سيبعدونه فقط " ، فقلت له " إبعاد أو قتل ، القرار كله كان خاطئا " . لم يكن خطأ فقط .. لقد كان جريمة .

تعليقات

  1. الخزي و العار لكن قتله ...التاريخ حكم بانه هو الرجل و هم جبناء .....نعم سيروا إلى الجحيم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.