المجاهد عبد الله يلس لـ''الخبر : ''مصالي الحاج'' أوّل من دعا عام 1936 إلى ''الجزائر الحرة''


أول جريح في صفوف حزب الشعب خلال مجازر الثامن ماي 1945 المجاهد عبد الله يلس لـ''الخبر''
''مصالي الحاج'' أوّل من دعا عام 1936 إلى ''الجزائر الحرة''
المجاهد عبدالله يلس أول جريح في صفوف حزب الشعب خلال مجازر الثامن ماي 1945

عندما طرقنا ذاكرة المناضل السابق في صفوف حزب الشعب، عبد الله يلس، وجدنا صورة السفاح ''أشياري'' ماتزال قائمة تجوب شوارع مدينة فالمة، من أمام مقر الدائرة ''سوبريفيكتور''، ''دار الخزناجي'' ساحة الكرمات أو ''الرحبة'' سابقا، انتهاء إلى الكنيسة التي تحوّلت، اليوم، إلى مسجد ''الإمام عبد الحميد بن باديس''، حيث أجواء مجازر الثامن ماي 1945 ما تزال ماثلة، بكل ما تحمله من توق للتحرّر، يتهدّدها الخوف والموت. 
''عمي عبد الله'' الذي زارته ''الخبر'' بمنزله المخلد للذكرى الكائن بحي 8 ماي 1945، والذي يعرف عند العامة بـ''كافي دالجي'' أو ''مقهى الجزائر'' وسط مدينة فالمة، تحمّل على نفسه مشقة الجلوس بسبب العطب الذي لازمه منذ ذلك التاريخ على مستوى رجله اليمنى، وقال: ''لا أدري لِمَ قبلت هذه المرّة إجراء حوار صحفي، مع أنني قرّرت الكفّ عن استقبال الصحفيين''، فرددت ممازحة: ''ربما لأنها جريدة ''الخبر'' فقط هي التي جعلتك تستجيب لها''. فالتفت وقال: ''نعم، ''الخبر'' جريدة مقروءة على نطاق واسع، ورغم أنني لا أجيد العربية، إلا أنني مهتم بها كثيرا''.
تحدّث عن نفسه وعن موطن آبائه، حيث ينحدر عمي عبد الله من بلدية ''كلوزال'' التي تحمل اليوم اسم الراحل ''هواري بومدين''، ويبلغ من العمر سبعا وثمانين سنة، بإشراقة وطيبة نادرتين، وهي صفات التصقت بجيل يُخيّل إلينا بأنه اندثـر مع أولئك الرفقاء الذين يتحسَر عليهم اليوم، ويكرّر بمرارة بالغة: ''جيل الثورة لا يمكن أن يعوّض أبدا''.
قال عمي عبد الله: كان عمري 20 سنة زمن المظاهرات، كنت حينها عضوا بسيطا في صفوف ''حزب الشعب''، كنت شاهدا على مسيرة أول ماي والثامن ماي 1945. أذكر أن ''ورتسي أحمد'' هو الذي ترأس المسيرة الأولى، والشهيد ''علي عبدة'' حمل العلم الجزائري خلال المسيرة الثانية، وكان حاضرا معه شقيقه ''إسماعيل'' ووالده أيضا، وهم أوائل القتلى، بالإضافة إلى بومعزة السعيد.
التحضير للمظاهرات في ''الكاريار'' وتحت أشجار ''الزيتون''عندما سألنا المجاهد يلس عن التحضيرات التي سبقت هذه المناسبات، قال إن الاجتماعات تكون، عادة، في شكل فرق تضم خمسة أشخاص، وتكون موزعة ما بين ''الكاريار'' المتواجد بحي بن شغيب اليوم، ومناطق مغطاة بأشجار الزيتون، وكان كل واحد يختار الفريق والمكان الذي يرغب الاجتماع به. والاجتماعات، على بساطتها، تعقد للتخطيط لأي تجمّع، أو احتجاج، أو لقراءة التعليمات الجديدة الصادرة عن القيادة السياسية للحزب، ومنها التعليمات التي أصدرتها القيادة للتجمّع في رحبة ''الكرمات''. وجاء ذلك بعد أن جاءتنا أخبار عن مسيرة سلمية وتطوّرت إلى مظاهرات تجري بولاية سطيف في تلك الصبيحة.
''تليفون عرب'' حيّر ساسة فرنسا وعسكرييهاوتساءلنا عن الطريقة التي انتقل إليهم بها الخبر، فقال: ''عن طريق ''تليفون عرب'' الذي حيّر ساسة فرنسا وعسكرييها، وتم في هذا الصدد إرسال المناضل ''بوتصفيرة قدور'' إلى عنابة ليستفسر عن موقف الحزب بخصوص الانضمام للمظاهرة، فتلقينا أمرا بذلك، على أن تكون سلمية، وهو ما تم فعلا، حيث اكتفينا بحمل العلم الجزائري الذي كان بيد ''علي عبدة'' محاطا بأعلام دول الحلفاء، وكانت المرة الثانية التي يُحمل فيها العلم الجزائري بعد احتجاج مسيرة أول ماي التي حملنا فيها شعارات للمطالبة بالحرية والديمقراطية. وقد تم، في هذا الإطار، توحيد كل القوى السياسية التي يترأسها مصالي الحاج وفرحات عباس، وحتى جمعية العلماء المسلمين.

يوم المظاهرات يذكّرني بالعطب المزمنحدثنا الحاج يلس عن بعض التفصيلات التي وقعت يوم المجازر، فقال: ما أتذكره أننا تلقينا تعليمات لتوجيه الناس إلى ساحة الكرمات، طلبت من علي عبدة أن يأذن لي بحمل الراية الوطنية، ولكنه رفض، وقال لي بالحرف الواحد إن الحزب كلفه بهذه المهمّة. سرنا من الكرمات حتى وصلنا الساحة الحمراء، حيث كانت الشوارع تعجّ بالناس وبالأصوات الممزوجة بزغاريد النساء، شعرت بخوف كبير خاصة أن رجال الدرك، البوليس الفرنسي، كانوا يحيطون بنا، وعملوا على انتزاع العلم من حامله الذي كان من أوائل الشهداء الذين سقطوا إلى جانب بومعزة، وهو ما أحدث حالة من الفوضى، خاصة مع ضيق الزنقة وتطويق الفرنسيين للساحة. وبدوري، حاولت الهرب، حيث كنت أسكن على مقربة من مكان التجمّع بباب سكيكدة، لكن رصاصة طائشة أصابت قدمي.  وعندما رفعت رأسي، وجدت عسكريا أمامي، وتسبّب ذلك لاحقا في اقتطاع جزء معتبر من فخذي الأيمن، وتسبّب في مكوثي بالمستشفى نحو 22 شهرا متتالية. قال: ''أكل الدود لحمي وأنا فوق الأرض''، بسبب الجبس الذي لفوا به رجلي، ولم يكن الدواء متوفرا، عدا ''البينيسلين'' الذي يوجه للجيش الفرنسي.
قال عمي عبد الله إن ''أشياري'' تعهّد باحتواء الوضع في فالمة قبل المظاهرات، وجاءت فرصته لإحكام قبضته. وهذه الحادثة لم تكن هيّنة على فرنسا، فعملت على تطويق العمل السياسي. ولتداعياتها، أوقفت النشاط العلني تسع سنوات، وهو ما عبّر عنه ''الأشرف'' بما معناه أن الثورة مثل المرأة الحامل، بدأت في الثامن ماي وبعد تسع سنوات تفجرت.
تستوقفه دموعه ويواصل: ''عندما أتذكر ذلك اليوم، أخاف كثيرا، خاصة أن أبي كان قد نهاني عن المشاركة بالمظاهرة، بعد أن أطلعه أخي الذي أخذته فرنسا جنديا في صفوفها، على سوء الوضع، فكان جوابي: أخي انضم لصفوف الجيش الفرنسي ولم تستطع استرداده، وأنا مناضل وعسكري في صفوف حزب الشعب، هذا الحزب المقدّس الذي لا ينتسب إليه شخص إلا وهو يحفظ كتاب الله ومن ذوي السيرة الحسنة''.
 جيل الثورة الذي أنجب سويداني بوجمعة وبن بوالعيد لا يعوّضقال عمي عبد الله أريد أن أقول: ''فرنسا الاستعمارية أخطأت كثيرا عندما اعتقلت الشباب وقتلتهم دون محاكمة، وأكثـر من ذلك، عملها على طمس معالم الوطنية، ولم تدرك أنها ثابتة لدى كل الطبقات، عن طريق الرياضة، الكشافة والنضال والتعليم. أذكر أن فريقنا الرياضي كانت عناصره هزيلة جدا مقارنة بالفرنسيين بسبب الجوع، ومع ذلك، كنا نفوز عليهم، وهذا كان مبعث حيرة الفرنسيين. جيل الثورة لا يعرف المداهنة لفرنسا التي درسنا في مؤسساتها ثورة نابليون، وتساءلنا لِمَ لا نكون مثله. ولذلك جيل الثورة الذي أنتمي إليه لا يمكن أن يعوّض، سويداني بوجمعة، بن بوالعيد، ديدوش مراد، عثمان مدور، حسان حرشة وغيرهم هم الأشخاص الذين يجب أن نتوقف لنحيّيهم، هم من خدموا الثورة. لحسن الحظ أنني التقيت ببعضهم، منهم صديقي سويداني بوجمعة الذي طلّق زوجته والتحق بالجبال قبل اندلاع الثورة بأربع سنوات، ليتفرّغ للنضال. هذا الجيل لا يفكر بعقلية المادة، كما هو جار اليوم، للحصول على مناصب ومنافع، بل كانوا يخشون المسؤولية المرادفة للموت، السجن أو المنفى.
 فرحات عباس رجل قانون ومفاوضات والمصاليون يؤمنون بالسلاحيظل المناضل الشيخ مدينا لحزب الشعب الذي كوّنه، ولمصالي الحاج الذي قال عنه: ''هو أول من دعا في عام 1963 إلى الجزائر الحرّة، رغم أنهم يدّعون بأن جمعية العلماء المسلمين هي من فعلت كل شيء وهذا خطأ، وأتأسف لعدم تمكني من ملاقاة مصالي الحاج وجها لوجه، رغم زيارته لولاية فالمة مرتين، وهذا بسبب الضغط الشعبي الذي كان يصاحب زياراته. أذكر أن زيارته الأولى كانت بسبب الضعف الذي كان يعانيه الحزب في مواجهة بعض الأحزاب والشخصيات، منهم أحمد جلول وفرحات عباس، هذا الذي يحب الالتزام بالقانون والمفاوضات، بعكس جناح المصاليين، كانوا يفضلون السلاح، وهو ما أدركناه يوم المظاهرات''.
 وعندما سألناه عن النصب التذكاري المتواجد بساحة الكرمات المخلد للمجازر، والذي يحمل فيه مجاهد سلاحا، رغم أن المظاهرات كانت سلمية، ابتسم وقال: ''ربما هو خطأ، ولكنه يحمل دلالة على أن السلاح هو الخيار الوحيد الذي يبقى للشعب بعد هذه الواقعة''.
 الجزائر تدفع ثمن أخطاء رؤسائها وتتنكر للعربلم يتوقع عمي عبد الله، سليل حزب الشعب، أن تنتهي الأمور بالأمة الجزائرية إلى ما هي عليه اليوم، ما أفقدها محتوى ثورة أول نوفمبر ومبادئ الكشافة الإسلامية التي أنتجت الثوار، والسبب في ذلك الأخطاء المتتالية التي ارتكبها الرؤساء منذ زمن أحمد بن بلة مرورا بهواري بومدين وانتهاء إلى توقيف المسار الانتخابي، وهذه النقطة بالذات تعتبر أكبر خطأ وقعت فيه البلاد، وهي منذ ذلك الحين تدفع ثمن أخطاء مسؤوليها. ويبقى الرئيس محمد بوضياف، حسبه، الرئيس الوحيد الذي كان على مبدأ صائب، ووصفه بـ''الشخصية الكبيرة''، ووجوده بالجزائر حينها كان بدافع إصلاح الوضع، غير أنه قتل لأنه كان عازما على كشف المستور، والسبيل للخلاص هو البدء بانتخابات حرّة وتقسيم الثـروة.
ورأى أن الأخطاء وقعت حتى أثناء الثورة، عندما تمت محاصرة المجاهدين في الجبال، والمدنيين داخل المحتشدات، فأدت إلى فشل الثورة عسكريا، ولكن سياسيا واصلت سيرها من خلال المفاوضات، وأريد أن أقول إنه لولا مصر وبعض الدول العربية، لما تحصلنا على الاستقلال، ونحن اليوم نتنكر لهذا الجميل بسبب أحداث عرضية.
نقلا عن جريدة الخبر الجزائرية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.