عاشوراء.. يوم من أيّام اللّه تعالى



إنّ من نِعَم اللّه على عباده أن يوالي مواسم الخيرات عليهم على مدار الأيّام والشّهور ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فما إن انقضى موسم الحجّ المبارك إلاّ وتَبِعَه شهر كريم، هو شهر اللّه المحرّم، فقد روى مسلم، في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: ''أفضل الصّيام بعد شهر رمضان شهر اللّه الّذي تدعونه المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة قيام الليل''.
 لقد سَمَّى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ''المحرّم'' شهر اللّه دلالة على شرفه وفضله، فإنّ اللّه تعالى يخصّ بعض مخلوقاته بخصائص، ويفضّل بعضها على بعض. قال الحسن البصري رحمه اللّه: إنّ اللّه افتتح السنة بشهر حرام واختتمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة، بعد شهر رمضان، أعظم عند اللّه من شدّة تحريمه. وفي هذا الشّهر يوم حصل فيه حدث عظيم، ونصر مبين، ظهر فيه الحق على الباطل، حيث أنجَى اللّه فيه موسى عليه الصّلاة والسّلام وقومه وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة وحُرمة قديمة، هذا اليوم العاشر من شهر اللّه المحرّم، وهو ما يسمَّى بيوم عاشوراء. ووردت أحاديث كثيرة عن فضل يوم عاشوراء والصّوم فيه، وهي ثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، منها: عن ابن عباس أنه سُئِلَ عن يوم عاشوراء فقال: ''ما رأيتُ رسول اللّه يومًا يتحرّى فضله على الأيام إلاّ هذا اليوم'' - يعني يوم عاشوراء - وهذا الشهر يعني رمضان.
ويوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحُرمة قديمة، وكان موسى، عليه الصّلاة والسّلام، يصومه لفضله، وليس هذا فحسب، بل كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه.
وكان صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم يوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر النّاس بالصّوم، فلمّا قَدِم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له، وكان يحبُّ موافقتهم فيما لم يؤمر به، صامه وأمر النّاس بصيامه، وأكّد الأمر بصيامه والحثّ عليه، حتّى كانوا يصوّمونه أطفالهم. وفي الصّحيحين عن ابن عباس قال: قدِم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول اللّه: ''ما هذا اليوم الّذي تصومونه؟'' قالوا: هذا يوم عظيم أنجى اللّه فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شُكرًا للّه فنحن نصومه، فقال: ''فنحن أحقّ وأولى بموسى منكم''، فصامه رسول اللّه وأمر بصيامه.
فلمّا فرض صيام شهر رمضان ترك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمر الصّحابة بصيام يوم عاشوراء وتأكيده فيه، لِمَا في الصّحيحين من حديث ابن عمر قال: ''صام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عاشوراء وأمر بصيامه، فلمّا فرض رمضان ترك ذلك''، أي ترك أمرهم بذلك، وبقي على الاستحباب.
ومن فضائل شهر اللّه المحرّم أنّ صيام يوم عاشوراء فيه يُكفّر ذنوب السنة الّتي قبله، فقد روى مسلم، في صحيحه، عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن صيام يوم عاشوراء، فقال: ''أحتسب على اللّه أن يكفّر السنة الّتي قبله''.

تعليقات

  1. شكرا لفكرك القويم و توجّهك السليم

    websiteالزمن الجميل

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أخي الكريم على تعليقك اللطيف ، فهذا يشجعني أكثر على الكتابة. أرجو أن تبقى من متابعي مدونتي .

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.