إصدار‮ ‬فيلم‮ ‬عن‮ ‬القديس‮ ‬أوغسطين‮ ‬خيانة‮ ‬للأمازيغ‬


article-title
عثمان سعدي: كان الأجدر إصدار فيلم عن الأب دونا الأمازيغي الأصيل.
author-picture
عثمان سعدي
صرح وزير الثقافة "أن الجزائر بصدد إصدار فيلم عن القديس أوغستين كشخصية وطنية أمازيغية جزائرية"، وأود أن أوضح لعز الدين ميهوبي الذي عرفته رجل ثقافة وطنية أصيلة ألا يلوث حياته وسيرته النقية بلطخة فيلم القديس أوغستين.
أوغستين لا علاقة له بالأمازيغ والجزائر، هو رومانيٌ أصيل بل يعتبر اليد اليمنى القوية للاستعمار الروماني، تقول عنه الموسوعة الفرنسية يونيفيرساليس "وُلد القديس أوغستين مواطنا رومانيا، هو من رومان إفريقيا، عاش مخلصا ثابت الإخلاص للحضارة  الرومانية" [1].
أوغستين لا يمثل المسيحية الأمازيغية بل يمثل المسيحية الرومانية الكاثوليكية. الذي يمثل الكنيسة الأمازيغية المغاربية هو الأب دونا النڤريني Donatus Negrinus الذي استنكر استغلال الرومان للمسيحية واستعمالها لتثبيت استعمارهم بالمغرب، فصاح صيحته المشهورة: "لا علاقة للمسيحية بالإمبراطورية الرومانية، الله أرسل المسيح لإنصاف المظلومين من الظالمين"، وكوّن مذهب الدوناتية الذي يختلف عن مذهب الرومان وأوغستين الكاثوليكي، وأنكر ألوهية المسيح، ويقول بالطبيعة الواحدة للمسيح، كما كان الدوناتيون يصلّون في كنائسهم باللغة الكنعانية الفينيقية، بينما يصلي أوغستين في الكنائس الرومانية باللغة اللاتينة. ناضل الأب دونا ضد الاستعمار الروماني، فاعتقله الرومان ومات في سجونهم بإسبانيا سنة 355 م. يقول فيه المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان: "على امتداد أربعين سنة كان هذا المصارعُ الرهيب بارزا على الأحداث، ومن غير شك فإن التطور السريع للدوناتية يعود الفضل في تحقيقه له. كانت تتجمع في شخصيته سائر عناصر القائد والمنظم الأصيل والمستقيم، والعقائدي، والخطيب المفوّه والكاتب الصلب، والمدرِّب والمكوِّن للرجال، كان قاسيا على نفسه مثلما هو على الآخرين. كان‮ ‬أنوفا‮ ‬شرس‮ ‬الطبع،‮ ‬كان‮ ‬يفرض‮ ‬المواقف‮ ‬على‮ ‬أساقفته‮ ‬الذين‮ ‬كانوا‮ ‬يعبدونه‮ ‬كالإله‮" [‬2‮].‬
ناضل‮ ‬المذهب‮ ‬الدوناتي‮ ‬ضد‮ ‬سرقة‮ ‬الأرض‮ ‬من‮ ‬الفلاحين‮ ‬الأمازيغ‮ ‬وتمليكها‮ ‬لضباط‮ ‬رومان‮ ‬يؤلفون‮ ‬منها‮ ‬ما‮ ‬عُرف‮ ‬بالمزارع‮ ‬الكولونيالية‮ ‬اللوتيفوندية‮  ‬Latifundia وانطلق الدوناتيون في ثورة عُرفت بالثورة الدائرية أو الثوار الدائريين Circoncellions، كانوا يتنقلون من مزرعة إلى مزرعة يثوِّرون الفلاحين الأمازيغ عند الكولون الرومان قائلين لهم "هذه أرضكم سرقها منكم الإقطاعيون الرومان، ثوروا واستردّوها منهم". كانوا يسطون على أموال الرومان ويوزعونها على الفقراء الأمازيغ. وخير من وصف هذه الثورة هي المؤرخة الفرنسية أوديت فانيي Odette Vannier في دراسة نشرتها سنة 1926 عن الدوناتية، تصف الثورة الدائرية والدوناتية فتقول: "كان الدائريون ينزلون من عربته الكولون ويُركبون العبد البربري الذي كان يجرّها، ويربطونه أمام العربة ويأمرونه بجرّها، فيحولون السيد إلى عبد والعبد إلى سيد.. كانوا يهاجمون مخازن الحبوب فيجمعون حبوبها ويوزعونها على الفلاحين الفقراء.. كانوا يتعرّضون لناقلي أموال الضرائب فيسطون عليها ويوزعونها على الفقراء". [3].
وخير من لخص رسالة الدوناتية الموسوعة الفرنسية -يونيفيرساليس-، تقول: "لقد تحوّل المذهب الدوناتي إلى ثورة ضد الظلم الاجتماعي والاحتلال الأجنبي، ولاقى صدى في الأوساط التوّاقة لاستقلال إفريقيا. وهو يشبه المذاهب القبطية والسورية، المؤسَّسة على الطبيعة الواحدة للمسيح. وقد اختلف عن الكاثوليكة في عدة نقاط، أهمها اللغة، فلغة الدوناتية ليست اللاتينية. كما اختلف عنها في وقوفه مع مطالب عمال الفلاحة البربر ضد اللوتيفوندات، هذه المطالب التي انضوت تحت المظلة الدواناتية. وبالرغم من أن هذا المذهب محافظ متشدد عقائديا، إلا أنه‮ ‬يصنف‮ ‬كمذهب‮ ‬تقدمي‮ ‬اجتماعيا،‮ ‬حيث‮ ‬يرفض‮ ‬استعمال‮ ‬المسيحية‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬الإمبراطورية‮ ‬الرومانية‮ ‬التي‮ ‬تتناقض‮ ‬أعمالها‮ ‬مع‮ ‬طموحات‮ ‬الفقراء‮". [‬4‮] .‬
قام القديس أوغستين بحرب شرسة ضد المذهب الأمازيغي الدوناتي، وألَّب ضده الأمبراطورية الرومانية الذي منعته، وتصدى له الأساقفة الدوناتيون من مدينة باغاي بالأوراس، واستمروا يتعبّدون سريا بطقوس مذهبهم إلى أن جاء الإسلام فاعتنقوه، وهذا هو الذي يفسر لماذا اختفت المسيحية‮ ‬من‮ ‬المغرب‮ ‬العربي‮. ‬يقول‮ ‬المؤرخ‮ ‬الديني‮ ‬البريطاني‮ ‬فريند‮ ‬W‭.‬H‭.‬C‭.‬Frend‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ ‬الكنيسة‮ ‬الدواناتية‮: ‬‭_‬إن‮ ‬الدوناتية‮ ‬كانت‮ ‬المقدِّمة‮ ‬لإلغاء‮ ‬الإسلام‮ ‬للمسيحية‮ ‬وللثقافة‮ ‬الرومانية‮" [‬5‮].‬
قام‮ ‬أوغستين‮ ‬بحرق‮ ‬سائر‮ ‬كتب‮ ‬الأب‮ ‬دونا‮ ‬والأساقفة‮ ‬الدونانيين،‮ ‬والكتاب‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬كتب‮ ‬عن‮ ‬الدوناتية‮ ‬صدر‮ ‬من‮ ‬البروتستانتيين‮ ‬في‮ ‬بريطانيا‮.‬
 الخلاصة: نقول لوزير الثقافة عز الدين ميهوبي: كان الأجدر بك أن تصدر فيلما عن الأب دونا الأمازيغي الأصيل الذي كان يخطب في المصلين بالأمازيغية ويصلي بالكنعانية العروبية. الأب دونا الذي شبّهه الشيخ عبد الرحمن شيبان بعبد الحميد بن باديس، هذا في عهد الإسلام وذاك‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬المسيحية‮.‬
******************************************************************************************************************************

‭[‬1‭] ‬E‭.‬Universalis‭ ‬T2‭ ‬P796

‭[‬2‭] ‬Histoire‭ ‬de‭ ‬L‭_ ‬Afrique‭ ‬du‭ ‬Nord‭ ‬Paris‭ ‬1956‭ ‬T2‭ ‬P219‭  ‬Ch‭.‬A‭.‬Julien

‭[‬3‭] ‬Revue‭ ‬Africaine‭ ‬V67‭-‬1926‭ ‬P13‭-‬28‭ ‬O‭.‬Vannier‭ ‬

‭  مرجع‮ ‬سابق‮  ‬T5‭, ‬P759‮ ‬‭[‬4‭] ‬

‭[‬5‭] ‬The‭ ‬Donatist‭ ‬Church‭ , ‬Oxford‭ , ‬1952‭ ‬W‭.‬H‭.‬C‭.‬Frend

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.