لخضر بن بن سعيد يكشف قي حوار شيق حول أحداث أكتوبر 1988

 دفعة "لاكوست" استولت على الدولة ودبرت مؤامرة أكتوبر 1988 

رئيس الهيئة الجزائرية للدفاع عن الذاكرة لخضر بن سعيد
لخضر بن سعيد، أحد الفاعلين في الحركة النضالية لأبناء الشهداء، عارض نظام الحكم منذ 1986، وهو من أهمّ المساهمين في منظمة أبناء الشهداء وأحد المؤسّسين للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء وأمينها العام سابقا، أما حاليا فهو الناطق الرسمي لـ"الهيئة الجزائرية للدفاع عن الذاكرة" وأمين عام "حركة الوطنيين الأحرار".
وفي هذا الحوار، يعود أحمد لخضر بن سعيد في هذا الحوار بالتحليل لأهمّ الأسباب التي دفعت إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، التي يرى أنه من الضروري، لفهم خلفياتها، التعرض لمسألة خلافة الرئيس الشاذلي بن جديد لسلفه هواري بومدين ومدى تأثير الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران على الشاذلي، خاصة خلال العهدة الأولى مابين 1979   و1984، وكيف تمّت عملية تحضير موازين القوى داخل نظام الحكم للقضاء على نظام الحكم البومديني، والتحضير لانفجار داخلي بطابع شعبي.

هل يمكن الحديث عن أسباب واضحة أدّت إلى انفجار أحداث 5 أكتوبر 1988؟
في البداية هناك من يسمّيها "أحداث أكتوبر"، وهناك من يطلق عليها أسماء أخرى، أنا أُسميها "مؤامرة 5 أكتوبر 1988"، أما عن أسبابها فتعيدني إلى تلك الظروف التي أدّت إلى وصول الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد إلى الحكم خلفا للرئيس الراحل هواري بومدين، لأنّ هناك بعض الألغاز التي يجب أن تُفكّك لدى الجزائريين لربط أنفسهم بالمراجع الحقيقية لمعرفة ما أُصبنا به من مؤامرات من طرف الفرنسيين.
كان وصول الشاذلي بن جديد إلى الحكم بسبب خلافات حدثت بين أعضاء مجلس الثورة، وهي الخلافات التي أدّت إلى بروز طرفين أولهما بزعامة عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي، وقد كان يومها وزيرا للخارجية، والطرف الثاني بزعامة محمد الصالح يحياوي مسؤول الأمانة الدائمة لحزب جبهة التحرير الوطني، هذا الخلاف أدّى بأقوى رجل آنذاك، وهو مسؤول المخابرات العسكرية العقيد الشهيد قاصدي مرباح إلى عمل كلّ ما في وسعه وترجى الطرفين وطلب منهما اختيار أحد أعضاء مجلس الثورة ليكون رئيساً لمواصلة برنامج الرئيس هواري بومدين، فوصلت الأمور بين الطرفين إلى حد اقتناع قاصدي مرباح بضرورة الدعوة إلى اجتماع طارئ لقيادة الجيش الوطني الشعبي وقيادة النواحي العسكرية، وقدّم الاقتراح التالي القاضي بتولّي الشاذلي بن جديد الرئاسة على اعتبار أنه مجاهد وأقدم ضابط في صفوف الجيش وعضو بمجلس الثورة، كما قدّم تقريرا للمجتمعين بكل المساعي التي قام بها مرباح للّم شمل الطرفين ولم تفلح، فاتّفق الجميع على تزكية الشاذلي، وانعقد مؤتمر جبهة التحرير، وخلاله تمّ اختيار الشاذلي أمينا عاما للحزب ومرشحا لرئاسة الجمهورية باسم الجبهة لخلافة بومدين، وكانت وضعية الشاذلي قبل ذلك كُلّف من طرف الرئيس الراحل بومدين من مشفاه بالاتحاد السوفياتي عن طريق رسالة بعث بها تقضي بتعيينه منسّقا لوزارة الدفاع في انتظار عودة بومدين إلى منصبه التي لم تتمّ طبعًا بسبب وفاته.
مباشرة بعد تعيين الشاذلي بن جديد رئيسا، استعان بأحد الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي وهو العربي بلخير بعد ترقيته إلى رتبة جنرال، وعيّنه رئيسًا لديوانه، والعربي بلخير حتى يعرف الجميع، له أخ في الجيش الفرنسي برتبة جنرال، من هنا بدأ الرئيس الفرنسي وقتها فرانسوا ميتران بترتيب بيت نظام الحكم في الجزائر بتوظيف علاقته الحميمية التي كانت تربطه بالعربي بلخير وأخيه، واستغلالها لربط علاقة بالرئيس الشاذلي بن جديد.
أول عملية بدأت تمثّلت في التخلُّص من الإطارات الوطنية التي بقيت في دواليب الدولة من نظام الرئيس بومدين، وكان على رأس هذه القائمة مسعود زقار الذي سُجن ثم حُكم ببراءته، وفي النهاية تمّت تصفيته في إسبانيا.. وفي خاتمة قائمة التصفيات الشهيد المرحوم قاصدي مرباح، وقبل ذلك خروجه مُهاناً من مكتبه كرئيس للحكومة، ولم تقتصر العملية على ذلك، بل ذهبت إلى درجة تعويض هؤلاء الوطنيين بالكثير من ذوي الماضي المشبوه، سواء في جبهة التحرير أو المناصب الحكومية، كلُّ ذلك تمّ في العهدة الرئاسية الأولى التي بدأت بوفاة بومدين واستمرّت إلى غاية سنة 1984 .
أما الترتيب للعهدة الرئاسية الثانية، فبدأ ببروز خلاف بين التيار الوطني والتيار الذي استولى على الشاذلي، وبيّن هذا الخلاف بأنّ الذين استولوا على الشاذلي كانوا هم الأقوى، فأُعيد ترشيحه لعهدة ثانية، مع ضرورة أن نسجّل هنا، أنّ التيار الرافض لترشح الشاذلي لعهدة ثانية تشكّل جلّه من الوطنيين، وبدأ الترتيب لتفجير الأوضاع مباشرة بعد انتخاب الشاذلي للعهدة الثانية للتخلص نهائيا من هذه القوة الوطنية، وصارت هذه العملية ظاهرة للعيان سنة 1987، وكان يومها المرحوم محمد شريف مساعدية على رأس جبهة التحرير، وحينها ألقى خطابه الشهير خلال تجمّع بالمعرض الدولي بالجزائر العاصمة استدعى إليه مجموعة من الوطنيين المصنّفين في المعارضة وكنت أحدَهم، في ذلك الخطاب أقرّ مساعدية بوجود خلل داخل الدولة وحمل خطابُه المذكور غضبا واضحا، فهمنا منه أنّ الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح، وفهمت أنا شخصيا، أنّ دفعة "لاكوست" استولت على دواليب الدولة.

 ما هي المؤشرات التي تؤكد بأنّ للرئيس الفرنسي الأسبق يداً فيما حدث بالجزائر نهاية ثمانينيات القرن الماضي؟
 أولا، كانت للرئيس ميتران زيارات غير رسمية كثيرة للجزائر، ولقاءات مطوّلة مع الرئيس الشاذلي، وقيامه بزيارات سياحية رفقته إلى الجنوب الجزائري ومناطق أخرى كانت تستغرق أحيانا أسبوعا كاملا، كما تمّت عملية هيكلة عملاء فرنسا بوصولهم إلى مناصب حسّاسة في الدولة، وبدأت سنة 1987 بمضايقة الجزائر عن طريق فبركة انهيار أسعار البترول، وتعلم أنّ شعار العهدة الأولى للرئيس الشاذلي وبداية عهدته الثانية، كان "من أجل حياة أفضل"، وبالتالي فأموال الشعب التي خزّنها بومدين تُوجّه جلُّها للاستيراد، والجزائريون يعرفون جيّدا تلك السنوات، كما أنّ من ضمن أهداف انفجار أحداث 5 أكتوبر 1988 التخلُّص من بقايا الوطنيين داخل جبهة التحرير، وعلى رأسهم المرحوم مساعدية وأحمد طالب الإبراهيمي.. والقائمة طويلة.
تمّ الانفجار، وخرج نظام الحكم برئاسة الشاذلي بن جديد بمشروع تعديل الدستور وتكريس التعدُّدية، ورأينا في دستور التعدُّدية، كيف كان الاعتماد بتأسيس حزب سياسي يُمنح لـ 15 شخصا فقط، يجهل الجزائريون ماضيهم الثوري وقدراتهم الفكرية والسياسية، وصار هذا الدستور يمنح تعددية مفروضة وديمقراطية ممنوحة، ولم نجد في تعدُّدية 1989 والأحزاب التي ظهرت بموجبها، إلا قوى سياسية قليلة كانت تقف في معارضة نظام الحزب الواحد، وفرض الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران اعتماد حزبين في الجزائر، هما "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية".

 بهذا المعنى أنت تقول بأنّ الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد وصل من الضعف إلى درجة أنه صار رئيسا بلا رئاسة؟
أولا بعدما تمّ الاستيلاء على الرئيس الشاذلي من طرف الرئيس الفرنسي ميتران، استتبع ذلك عمليات عزل لكلّ الوطنيين سواء في المؤسسة العسكرية، أو في مؤسسات الدولة الأخرى، وفي هذا الصدد نسجّل عزل الجنرال بلوصيف بتهم باطلة لرفضه استعمال الأجواء الجزائرية من طرف الطائرات الأمريكية لضرب الإخوة الليبيين، وعُوِّض بأمين عام وهو عبد الحميد لطرش، وهو من الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي، وهذا شكّل اختراقا واضحا ومبرمجًا لمؤسسات الدولة العسكرية والمدنية لتنفيذ أجندة فرانسوا ميتران.

 تقول بأنّ اعتماد "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" كان بإيعاز من الرئيس الفرنسي ميتران.. ومن دون شك فإنّ الكثير من أنصار هذا الحزب لا يوافقونك الرأي، وهم يعتقدون أنّ اعتماد الفيس المُحل هو انعكاس لقوة هذا التيار الشعبية، وخروج هذا التيار إلى العلن، إنّما كان ترجمة فقط للعمل الدعوي السرّي الذي قضى فيه شيوخ الفيس سنوات طويلة؟
إذا تحدّثنا عن إسلام الجزائريين، أو إذا شئت عن الإسلام في منطقة المغرب العربي، فالحمد لله منذ دخول رسالة الإسلام إلى الجزائر منذ قرابة 14 قرناً، احتضنها سكان المنطقة وساهموا في نشرها، وجاهدوا من أجلها، وصار الإسلام في أقطار المغرب العربي نقيًّا إلى يومنا هذا، وفي هذه الجزئية فهو يختلف عن إسلام المشارقة والخليجيين، وكان إسلام ما قبل التعدُّدية ممثّلا في الرابطة الإسلامية وعلى رأسها الشيخ العلامة الفاضل أحمد سحنون، وكان كلُّ دعاتنا منضوين تحت لواء الرابطة الإسلامية، وبعد مجيء الدستور التعدُّدي، كان عباسي مدني قد أتمّ دراساته بإنجلترا، وأثناء وجوده هناك، تمّت عملية هيكلته من طرف المخابرات البريطانية، وهو الذي كان عضوا نشيطا يُقدّم دروسًا بالمساجد في بريطانيا، ولم ينتم يومًا إلى الرابطة الإسلامية.
قدّم عباسي مدني اقتراحا للشيخ أحمد سحنون بتأسيس حزب إسلامي في الجزائر، فرفض هذا الأخير الاقتراح، وهذا الكلام سمعته شخصيا من الشيخ سحنون في مسجد "شوفالي" بالعاصمة ذات جمعة من سنة 1991، قال لي الشيخ سحنون طلب منّي عباسي مدني تأسيس حزب تابع للرابطة الإسلامية، أو بعبارة أخرى، جناح سياسي تابع للرابطة الإسلامية، فكان ردي عليه: لو كان رأي الشيخ ابن باديس بضرورة أن يكون للجزائريين حزب سياسي باسم الإسلام، لقام بتأسيسه في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي.."، والدليل أنا أتحدّى كلّ من يستطيع أن يأتيني باسم شيوخ منضوين تحت لواء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهم في الوقت ذاته ينتمون إلى الرابطة الإسلامية، والدليل الآخر هو أنّ كلّ مؤسسي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" شبانٌ أكبرهم سنًّا هو المجاهد والداعية الشيخ عبد القادر بوخمخم.

 برأيك هل فشلت أحداث 5 أكتوبر 1988 أم حقّقت أهدافها؟
لقد أعطيتُ بعض الأسباب لتلك الأحداث، بالنسبة لي لا أؤمن أنّ أحداث أكتوبر قدّمت لنا شيئا، لقد تمّ استرجاع الجزائر اليوم تحت وصاية فرنسا الاستعمارية، أمّا تقييمي لأكتوبر بعد 25 سنة من تلك الأحداث، فيمكن أن أوجزه في السؤال التالي: الجزائر قدّمت 200 ألف ضحية خلال سنوات الدم، كانت هناك جمهورية واحدة، فصارت لدينا جمهوريات يمثّل فيها كلّ وزير أو وال جمهورية لوحده، وترون كيف تضخ الأمة من باطن الأرض أموالها وتخزنها في البنوك الأوربية والأمريكية، والشعب مهدّد بالمجاعة، وصار الشاب الجزائري يسرق ذهب أخته أو أمه ليشتري مكانا في قارب يقوده إلى الموت في مغامرة بحرية غير مضمونة، والقليل ممّن ينجون يوجدون في معتقلات في إسبانيا ودول أوربية أخرى، وهؤلاء الشبان المعتقلون صاروا يُباعون كالأغنام لأمريكا وغيرها لتوظيفهم كمرتزقة، وفي النهاية هل هذه هي الجزائر التي حلم بها الشهداء الذين كان شعارهم "نموت شهداء أو نعيش سعداء"، وشعارهم الثاني نموت.. نموت وتحيا الجزائر؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.