العقيد عمار بن عودة يرد بالثقيل على الجنرال خالد نزار

- نزار ضربني بحذائه وعطايلية كاد يقتله دفاعا عني
- "أتحدّاك أن تنشر وثيقة تثبت منح السّلاح للمصريين"
- سهراتك مع بيجار مصورة... وآيت أحمد بريء من تفجير الباخرة
- انفجار باخرة السلاح في ميناء عنابة سنة 64 مازال سرا من أسرار الدولة
article-title

يرد العقيد عمار بن عودة، في هذا الحوار المطول، على وزير الدفاع السابق، الجنرال خالد نزار، ويوضح خلفيات التّصريحات التي أدلى بها مؤخرا، منذ تصريحه الأخير في جامعة الطارف، وصولا إلى رسالة الجنرال نزار التي تضمّنت اتهامات إلى شخصه وطالت مسيرته النضالية، على حد قوله.
كما يقول إنه قد ينطق ببعض الأسماء التي لا يقصدها سهوا، أو تتأثر ذاكرته أحيانا بنوبات المرض، ولكنه لا يهرطق، ولا يتحدث إلاّ عّما يعرفه وعاصره من أحداث، وإنه ليس مؤرخا، ولذلك رفض أن يكتب مذكراته الشخصية، لكنه يسأل من يجيب، مخاطبا من نعته بـ "الديناصور"، عبر إحدى الصحف الوطنية بالقول: إنه "لولا تأييد الله للديناصور عمار بن عودة وإخوانه، لما كنت اليوم في بلادك حرا مستقلا، ولكنت ربما ترتدي ثيابا رثة ممزقة، والجوع يعتصرك، والفرنسيون من حولك يكيلون لك الإهانات، يومها فقط كنت ستعرف قيمة الديناصورات".

 - بداية، الكثير   تساءلوا لماذا سكت العقيد عمار بن عودة ولم يقل كلمته حيال الكثير من الأحداث المهمة إلى اليوم، خاصة ما تعلق بشهادة الجنرال خالد نزار التي وردت في كتابه الصادر منذ سنوات؟  
قبل 13 أو 14 سنة، تحديدا عند صدور مذكرات خالد نزار، عرفت أنه يقول فيه "إن بومدين بعث رسالة موقّعة من طرفه لتسليم السلاح إلى المصريين، وإن بن عودة سلم الرسالة والسلاح إلى المصريين"، راسلت خالد نزار وقلت له أنت مخطئ، بومدين لم يوقع أي رسالة للمصريين وأنا لم أحمل أي رسالة من هذا النوع ساعة صدور الكتاب، فعليك بتصحيح الخطإ. فالأسلحة التي كانت في مرسى مطروح وسلوم دخلت إلى الجزائر، وأنا أشرفت على نقلها في بواخر مصرية عن طريق المخابرات البحرية كما ذكرت سابقا. وبالطبع، خالد نزار لم يصحح هذا الخطأ. وبعد شهرين من مراسلتي إليه، طلبت لقاء مع مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر بالأبيار، وأعلمته أنني أريد تصحيح خطإ وقع فيه نزار، على حساب الراحل هواري بومدين، لأنه يقول إن هذا الأخير سلم سلاح الشعب الجزائري إلى المصريين. وهذا طعن للرئيس الراحل في الظهر. وشهادتي في المركز مسجلة بالصوت والصورة في سنة صدور الكتاب. فأنا لم أنتظر حتى هذه السنة لأصرح في ملتقى جامعة الطارف. فتصريحي في الجامعة كان تذكيرا بما فعله نزّار في حق الرئيسين بومدين والشاذلي بن جديد، لأنه استمر في الكذب، وحوّل اتهامه من الرئيس بومدين إلى الملحق العسكري بن عودة وهذا افتراء وبهتان.  
وهنا، اسمحي لي أن أرد أيضا على رئيس الحكومة السابق سيد أحمد غزالي، الذي قال إن بن عودة كان بعيدا عن الرئاسة ولا يعرف إن ضغطوا على الشاذلي أم لا، مكتبي كان ومازال داخل الرئاسة، ولقاءاتي مع الأخ الراحل الشاذلي بن جديد لم تنقطع، وكانت يومية في إطار لجنة الانضباط ومصف الاستحقاق الوطني. أنا أسألك يوم يصل الدور عندما أتكلم بما أعرفه عن شابو، وزرقيني وعبد الحميد لطرش.. هل ستشهد في حقهم مثل ما شهدت لنزار؟ أم إن هؤلاء متوفون؟

- ولماذا لا تتحدث الآن عمّن ذكرت؟  
سأتحدث في الوقت المناسب إن كان في العمر بقية. 

- الجنرال خالد نزّار قال في رسالته التي نشرت منذ أيام في إحدى الصحف الوطنية إن هنالك أسلحة فقدت ومنها أسلحة كانت هبة من الصين، بم ترد على هذا الكلام؟  
قد يدعي نزّار أنه يعرف كل شيء عن تلك المرحلة، فهل يعرف أن بومدين أرسل أسلحة إلى الكونغو برازافيل لصالح ثوار لومومبا ضد تشومبي في الفترة ما بين 1963 ـ 1964 بعلم من الرئيسين أحمد بن بلة وجمال عبد الناصر؟ وهل كان يعلم في حينه أن بومدين أعطى السلاح أيضا للمقاومة الفلسطينية؟ وهل يعلم شيئا عن حقيقة الباخرة التي غادرت أحد الموانئ الأوروبية وهي محملة بالأسلحة لصالح الثورة الجزائرية ولكنها اختفت في عرض البحر بعد أن حول مسارها في أواخر سنة 1959 فضاعت كل أسلحتها؟ هل يعلم من قام بالتحريات وراسل البلاد التي أرسلتها؟ هل لديه معلومات عمّن حولها؟ أنت أكيد لا تعلم فأنت آنذاك كنت ملازما تحت مسؤولية بوزادة الذي كان مسؤولا عن السلاح في وزارة الدفاع. وهذا الأخير هو الوحيد الذي زار مرسى مطروح وسلوم قبل الاستقلال في سنة 1961.

 - من أي دولة خرجت الباخرة التي ضاعت أسلحتها؟ 
 سنذكرها في الوقت المناسب.

- نزّار يقول هذه المرة إنه سافر إلى القاهرة عام 1965   بعدما لوحظ عدم استرجاع 30 ألف بندقية طراز 17us  ، ومدافع 12م، سوفيتية الصنع، ومدافع من دون تردد 57 و75 ملم وبنادق رشاشة هبة من الحكومة الصينية؟ بم ترد عليه؟  
من أين جاء بهذه الأرقام؟ ما أعرفه أنه في شهر ماي 1965   بومدين كان في القاهرة، أين حضر اجتماع وزراء الدفاع، وطلب مني أن أحضر نفسي للسفر معه على نفس الطائرة. وفي غضون ثمانية أيام حزمت أمتعتي، وغادرت معه القاهرة بصفة نهائية. ما وقع بعد هذه الفترة لا علاقة لي به، ولكن قبل هذه الفترة نقلنا جميع الأسلحة بالبواخر والشاحنات تحت إشراف الجيش المصري، وبومدين لم يسألني أو يطلب مني استرجاع أي أسلحة ضائعة بعد هذه الفترة وقبل التصحيح الثوري. وما تبقى من أسلحة بعد هذا التاريخ لا مسؤولية لي عنه بالتأكيد. ومساعدي الرائد لحرش هو من ظل مسؤولا عنه. قبل أن يعيّن العقيد بودربالة ملحقا عسكريا في القاهرة خلفا لي، وأصبحت عملية نقل الأسلحة المتبقية على ذمته.

- وماذا عن كلام نزار؟  
أتحداه أن يظهر أي وثيقة ممضاة من طرف هواري بومدين أو من طرفي، وإذا كان الأمر كذلك فليذهب هو ويبحث عن هذه الوثيقة في الأرشيف ويقدمها إلى العدالة والرأي العام الوطني.

- وماذا عن الباخرة التي انفجرت في ميناء عنابة ليلة 23 جويلية 1964؟ من كان وراء انفجارها أو ما سبب الانفجار؟  
الباخرة التي انفجرت في عنابة عام 1964 رست في ميناء العاصمة أولا ثم حولت إلى عنابة وهناك انفجرت بعد الليلة الثانية من رسوها، وكانت محملة بالأسلحة والذخيرة. ولو كانت فارغة كما ادعى نزّار، لما ألحقت كل ذلك الضرر في الأرواح والمباني، فالانفجار تسبب في انهيار عدد كبير من مباني المدينة القديمة "بلاس دارم"، وبومدين كلّفني بالتحقيق مع المجاهد الرائد نور الدين يزيد زرهوني أطال الله في عمره. الذي كان مديرا للعلاقات الخارجية في وزارة الدفاع آنذاك، ولم نكن وقتها نسمع باسم نزار في الساحة الوطنية.

- وماذا كانت نتيجة التحقيق في انفجار باخرة عنابة؟  
توصلنا إلى نتيجة ولكنها بقيت سرا من أسرار الدولة.

- لكن، أليس من حق الجزائريين وعائلات الضحايا معرفة من كان وراء ذلك الانفجار الذي كاد يدمر مدينة بأكملها؟  
بالفعل أسر الضحايا لم يحصوا على التعويض، لأن الرئيس الراحل أحمد بن بلة اتهم الأخ المناضل أطال الله عمره "حسين آيت أحمد" بالضلوع في تفجير الباخرة، ولكن صدقا هو لم يكن له علاقة أبدا بذلك الحادث. وملف القضية حفظ على أساس أن ما وقع كان عملا إرهابيا، والتأمينات لم تكن تعوض ضحايا التفجيرات الإرهابية، وحتى الشركة المصرية لم تحصل على التعويض عن السفينة "نجمة الإسكندرية".

- هل يأتي يوم نعرف فيه سر هذه الباخرة؟  
ربما يوما ما.

- لنعد إلى الجنرال خالد نزار، الذي قال أيضا إنه لم يلتق بك إلا مرة واحدة في قصر الشعب، وأنت كنت أيضا قد حدّثتني سابقا عن هذا اللّقاء الذي لم يكن عاديا، ما الذي حدث بينكما يومها؟  
بعد صدور مذكراته، التقينا في حفلة بقصر الشعب وكنت يومها جالسا بجانب المجاهد تيجاني هدام رحمه الله، وعندما تقدم مني نزّار وقفت لأسلم عليه، فإذا به يفاجئني بقوله: "تحديتني" عدة مرات، وهو يضربني بحذائه في رجلي اليمنى حتى سال الدم. فهيّأت كل قوتي لضربه، فأمسك بي تيجاني هدام قائلا لي: نحن ضيوف عند الرئيس، فامتثلت لطلب تيجاني وعدت وجلست في مكاني بجانبه. والمجاهد البطل عطايلية محمد كان يراقب ذلك، وشهد الحادثة فتقدم إما لضرب نزار وإما  لقتله، فطلبنا أنا وتيجاني هدام من عطايلية التزام الهدوء لأننا كلنا كنا ضيوفا عند الرئيس. ونزّار فعل ما فعل لأنه لم يتقبل طلبي منه تصحيح الخطإ الذي أورده في كتابه، وأيضا لحاجة في نفسه. وأنا متأكد مما قلته عن سهراته مع بيجار وقيام بومدين بطرده من الجيش، فالتقرير الذي ورد كان معززا بالصور. وهو لم يكمل تكوينه في المدرسة الحربية بباريس لأجل ذلك. والعجيب في أمره أنه ظل يردد كلمة تتحداني دون سواها، فلم يتطرق إلى موضوع الرسالة التي بعثتها إليه لتصحيح الخطإ. ولاحظ المرحوم تيجاني هدام أن حذاءه كان مزودا بقطعة من حديد في الأمام لذلك جرحني عندما ضربني به.
وهو كاذب بخصوص لقائنا مرة واحدة، بل التقينا مرات عديدة في حفلات مشابهة لحفلة قصر الشعب وفي اجتماعات لحزب جبهة التحرير الوطني قبل سنة 1988. 
وتناولنا الغداء معا أيضا في وزارة الدفاع في بداية التسعينات بدعوة منك وكلّمتك عن سجنك لبلوصيف بعدما دعمك سابقا.

- هل بدر أي تصرف من عطايلية حتى بدا لك أنه قد يقتله؟  
ملامحه كانت تؤكد أنه في قمة غضبه، وقد يفعل أي شيء.

- قلت إن إساءة الجنرال خالد نزّار التصرف معك في قصر الشعب كانت أيضا لحاجة في نفسه، هل تقصد أن الأمر متعلق برفضك المعلن منح أي مناصب لمن عرفوا بضباط فرنسا الذين كان الجنرال واحدا منهم؟ ولماذا كنت تتخوف منهم؟  
في عام 1958 عندما تشكلت لجنة العمليات العسكرية الشرقية والغربية المعروفة اختصارا بـ"الكوم"، في أول اجتماع ترأسه الأخ المناضل كريم بلقاسم وعند افتتاح الجلسة طلبت منه الكلمة قبل بدء الأشغال، وبالفعل منحني إياها، فقلت له: أنا لا أقبل أن يحضر هذا الاجتماع الرائد "إيدير" بما أنه أحد الضباط الذين كانوا في الجيش الفرنسي والتحقوا حديثا بالثورة، بصراحة أنا ليس لدي ثقة فيه، لأنه في سنة 1955   قتل خمسة مجاهدين منّا خلال اشتباك في المنطقة الواقعة بين بودوكة وتمالوس. ففكر كريم بلقاسم قليلا ثم طلب من "إيدير" مغادرة القاعة. وهذا كان موقفا سليما من الراحل كريم يشكر عليه حيا وميتا لأنه داس على عاطفته تجاه ابن دشرته. أما المجاهد العقيد محمدي السعيد، المدعو "سي ناصر"، رحمه الله، فلم يعجبه الأمر، ولكن احتراما لكريم بلقاسم لم يقل كلمة. 
 في اجتماع ثان عند توزيع المهام أعلمنا "سي ناصر" أنه عين الضباط القادمين من الجيش الفرنسي في مناصب مهمة، ونحن تم تهميشنا فذهبنا إلى كريم بلقاسم وبن طوبال وبوالصوف وطالبنا بحل "الكوم" لأنه في هذه الحالة لم يعد لدينا عمل. أما لماذا كنت متخوفا منهم؟ فأنا لم أكن أخافهم لأن الثورة كانت قوية، ولكن كنت أعلم أن هؤلاء الناس سيكونون ضمانا لاستمرار فرنسا في الجزائر بعد الاستقلال فأنا كان لدي نظام مخابرات قوي في تونس، والمعلومات تصلني من باريس، فمثلا عندما ألقي القبض على الرائد بن شريف سنة 1957 في الولاية الرابعة بعد تركه الجيش الفرنسي وانضمامه إلى جيش التحرير، حول إلى باريس وهناك أفرج عنه بأمر من شارل ديغول، وبلغني أنه قال بالحرف الواحد: "اتركوهم يذهبون إلى الجهة الأخرى، فنحن لسنا في حاجة إليهم هنا بل نحتاجهم هناك".  
وهذه الكلمة انتشرت في تونس أيضا. وبخصوص التغييرات في "الكوم"، في اجتماع مع كريم، بوالصوف، وبن طوبال... كلف محمد العموري بالتسليح والتموين والجوانب الاجتماعية والصحة، وعمارة بوقلاز بجمع الجيش وتوحيده في الحدود الشرقية، وعمار بن عودة بقي مكلفا بتأمين الثورة، وهذا في "الكوم" قبل  تشكيل الحكومة المؤقتة.  فأعضاء لجنة التنفيذ والتنسيق هنا عزلوا كل الضباط القادمين من الجيش الفرنسي.

- نزار يقول إنه لم يكن يسهر مع بيجار بل التقاه فقط في المدرسة الحربية وأقرأه السلام لعقداء الجزائر، وأنه تدرب في الفترة بعد وفاة شابو؟  
لقد وقع اسم العقيد عبد القادر شابو سهوا بسبب تعقد الأحداث في تلك المرحلة وهو لم يكن المقصود في علاقة نزار بالشاذلي، ولكن فيما يخص سهراته مع الجنرال الفرنسي سفاح الثورة الجزائرية بيجار واستياء بومدين من ذلك، فهذا حقيقة وليس افتراء، والذي التقط له الصور مع بيجار كان يعمل لدي في المكتب العسكري بباريس، وكان معه شاهدان نقيب وملازم  فهم كانوا ثلاثة تمكنوا من الإيقاع بنزّار وتصويره. أما طرده من المدرسة الحربية في باريس فأنا قصدت مرحلة سنة 1966، حيث كان أول من دخل إلى هذه المدرسة عبد الرزاق بوحارة، رحمه الله، دون أن يكمل تكوينه، وبلوصيف أكمل تربصه لستة أشهر، وأنت يا نزار لم تكمل. وعدت إلى الجزائر. والعقيد شابو طلب منك الذهاب إلى زرقيني في كولون بيشار والاختفاء هناك حتى يأتيك القرار فأنا قصدت هذه الفترة الزمنية وليس فترة أخرى. وأنا كنت ملحقا عسكريا في باريس بين جوان 1965 و1968.

- إذن أنت كنت تقصد أنه طرد من الجيش سنة 1966، ولكنه شارك في الحرب العربية الإسرائيلية الثانية، حتى إنه أصدر كتابا عن تلك المشاركة؟ (قيادة اللواء الثاني الجزائري المحمول 1968-1969). 
نعم. وأنا قصدت باختفائه حتى وفاة بومدين أنه لم يكن له شأن يذكر، أما من دعم خالد نزّار لدى الشاذلي بن جديد فكان العربي بلخير وليس عبد القادر شابو الذي كان قد قتل عام 1971، واسم عبد القادر شابو وقع سهوا مني فقط. فالعربي بلخير ومصطفى بلوصيف هما اللّذان دعماه عند مجيء الشاذلي بن جديد سنة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين سنة 1978.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.