خالد نزار يرد على عبد القادر بن عودة


- هذه حقيقة بن عودة لمن لا يعرفه
- بيجار قال لي: بلّغ تحيّاتي لعقدائكم، فلئن كانت تعوزكم الوسائل فلقد كنتم مع ذلك تهاجموننا بشجاعة
- التقيت بن عودة مرة واحدة.. لهذه الأسباب يحقد عليا.. ولن أرد عليه بعد الآن 
- الشاذلي بن جديد اعترف بالهزيمة أمام عباسي مدني ولم يكن يبالي بما كان سيحدث للبلد 
ورد اسمي على لسان عمار بن عودة، بعد أن سأله صحافي تحمّس للاقتراب من «أيقونة» من أيقونات الثورة الجزائرية.
عمار بن عودة، ينتمي إلى أولئك التوّاقين إلى زمن ولىّ وإلى أولئك المتخلّفين الذين لا يدركون أنّ الجزائر ليست بحاجة إلى جدل عقيم في هذا الظرف الحساس، لا سيما أنّ أخبار البلد جدّ محزنة. ولْيعْذِر الجزائريون رؤيتي للأمور وَلْيعذِروا عدم تمكّني من قَبول عدم الإصغاء للأقاويل المغرضة التي تمسّ بكرامتي كضابط في جيش التحرير الوطني، خاصّة عندما يُربَط اسمي بجنرال يكفي ذكره ليثير اشمئزاز كثير من الجزائريّين، فذلكم أمر لا يطاق ولا يُحتمل بالنسبة إلي. لِنبدأ من تلك الحلقة التي أوردها بن عودة، ذلك الرجل الخبيث والمنافق الذي يردّد مزاعم كاذبة سبق لغيره أن اشْتَروها من قبله، والأدهى والأمرّ أنّه يلمّح إلى كوني خائنا لوطني. يقول بن عودة إنّه كانت تربطني علاقة وطيدة مع الجنرال بيجار إلى حدّ أنّني كنت أنادمه وأتناول الخمر رفقته، والحقيقة أنّني كنت في الكلية الحربية بباريس سنتي 1975-1976، مبعوثا من وزارة الدفاع الوطني، وكان الجنرال بيجار آنذاك، سكرتيرا للدولة مكلّفا بشؤون الدفاع، وفي أحد الأيام، توجّب تقديمنا نحن المتربّصون لهذا المسؤول، جرت المراسيم في ساحة الكلّية، ومرّ الجنرال بيجار أمام المتربّصين الثمانية عشر الذين كانوا قبلي وحيّاهم الواحد تلو الآخر، ثمّ عندما وصل إليّ، قدّمتُ نفسي كضابط جزائريّ، ثمّ رجع إلى الخلف بعدّة خطوات وراح يخاطب فينا مركّزا على الجزائر وموقفها إبّان الحرب ومصرّا على أنّه تصرّف خلالها «كعسكريّ». ثمّ توجّه إليّ بهذه الكلمات: «بلّغ تحيّاتي لعقدائكم، فلئن كانت تعوزكم الوسائل فلقد كنتم مع ذلك تهاجموننا بشجاعة»، هذه هي الظروف وهذا هو النطاق الذي رددت فيهما التحية على هذا الجنرال، ولم اكتف بالتحدّث عن هذا الأمر من حولي، بل أطلعت المسؤولين عنه وأخبرت ضابط الأمن بالمكتب العسكري به حينذاك، النقيب محمد بن عيسى. يبدو لي من الضروري أن أوضّح أنّني وأنا أكتب هذه الأسطر، لا تجمعني أيّة علاقة حميمية مع أيّ شخص كان، وأنا أتساءل لماذا تكون لي مثل هذه العلاقات والجميع يعلم أنّني ما فتئت أدلي برأيي بشكل صريح وواضح حول الأمور التي تحزّ في نفسي. كنت أعرف بن عودة لكونه شارك في اجتماع الاثنين والعشرين ولم ألتق به سوى مرّة واحدة، وذلك خلال حفل استقبال أقيم في قصر الشعب، تحدّثنا يومها عن قضية السلاح الجزائري الذي سلّمه للمصريين بعد أن شرحت له أنّه لم يكن هناك أيّ سبب يدفعني إلى تحريف الحقيقة وأنّني عدت إلى الجزائر حاملا فعلا رسالةً كان بن عودة وقّعها بيده وسلّمتُها للراحل هواري بومدين، قاطعني بخشونة قائلا لي متحدّيا إياي: «إذن، أحضر هذه الرسالة التي تتحدّث عنها»، فأردفت موبّخا إيّاه أمام الملأ: «أنا أعرف جيّدا الانتهازيين من أمثالك، وإلاّ فلماذا لم تُبلغ السّي بومدين بالأمر؟». جرت هذه الحادثة بحضور السادة تيجيني هدّام وبلعيد عبد السلام ورضا مالك والعديد من الشخصيات الأخرى، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأمر كان قد طرأ قبيل التصحيح الثوري الذي حدث في 19 جوان 1965 أي في خضمّ الصراع الذي كان يلوح بين الرئيس بن بلّة ووزير الدفاع هواري بومدين، بينما كان بن عودة يعزف على الوترين. كُلّفت بالمهمّة التي أنيطت إلي في مصر سنة 1965، بعد مدّة طويلة من وصول مختلف البواخر الحاملة للأسلحة إلى عنابة والجزائر العاصمة والانفجارات التي وقعت في ميناء عنابة وفي مستودع سيدي فرج. تمّ إرسالي إلى القاهرة بعد أن لوحظ عدم استرجاع 30.000 بندقية طراز US-17 تمّ شراؤها بأموال المناضلين ومدافع 12م/م اقتنيت من الاتّحاد السوفياتي ومدافع من دون تردّد 57 و75 مم وبنادق رشاشة طراز DHK هبة من الحكومة الصينية. ذهبت إلى القاهرة كي ألتقي بعبد الله «المَهماه» واسترجعَ هذه الأسلحة، كانت الباخرة المسخّرة لتلك العملية تابعة للشركة الوطنية الجزائرية للملاحة (CNAN)، ويمكن التأكّد من ذلك في أرشيف الشركة، كما يمكن الاطّلاع على الرسالة التي وقّعها بن عودة والتي سلّمتها لبومدين بعد أن تلقّيتها بالقاهرة بحضور المكلّف بالأعمال في السفارة الجزائرية في العاصمة المصرية، والذي يسهل التعرّف على اسمه لدى وزارة الخارجية، إمّا في أرشيف رئاسة الجمهورية أو وزارة الدفاع. أظنّ أنّ أيّ باحث في التاريخ يودّ أن يخوض في طبيعة «التضامن» مع الثورة الجزائرية من قِبل بعض الدول العربية التي كانت «متضامنة معنا في سبيل الله» و»باسم الأخوّة» يمكنه أن يعثر عليها بكلّ سهولة. 
ليس قصدي البتّة أن ألفّق لهذا المنفّذ للرقابة ضدّي بشكل غريب صفةَ الخبل، أو أن أتطرّق إلى الأضرار الجسيمة التي تنجم عن هذا العته. هل يجب أن أذكّره بأنّ عبد القادر شابو الذي يزعم «بن عودة» بأنّه صنع لي صورة جميلة لدى الشاذلي بن جديد، توفّي في 1971 أي تسع سنوات قبل تبوّء الشاذلي بن جديد منصب رئيس الجمهورية؟ هل يجب أن أذكّره أيضا بأنّه مباشرة بعد حكاية بيجار هذه، استُدعيتُ على عجل إلى الجزائر قبل نهاية تربّصي في الكلية الحربية بباريس بأمر من هواري بومدين الذي أراد أن يردّ بقوّة بعد حادثة «أمغالا»، ليعيّني قائدا للمجموعة العمليتية لتندوف، حيث كان ما لا يقلّ عن 25.000 جندي من نخبة الجيش الشعبي الوطني تحت قيادتي، أليس هذا دليل قاطع على أنّ الثقة الكبيرة التي كانت سائدة بين هواري بومدين وخالد نزار لم تنقطع يوما؟ ألم يكن تكليفي بإنشاء وحدات المظلّيين دليلا على قوّة هذه الثقة التي كانت تميّز العلاقة القائمة بيننا؟ وعليه، فواضح أنّ بن عودة يهرطق عندما يتحدّث عن «علاقاتي المريبة» المزعومة مع بيجار أو حكاية إبعادي أو قضية الأمر الذي يقول إنّ العقيد شابو كان قد تلقّاه «لطردي» من الجيش.
أمّا عن زعمك بأنّني «اختفيت»، أي أنّ العقيد شابو «عزلني» بأمر من بومدين، فيؤسفني أن أقول لك بأنك مخطئ تماما. فالواقع يا «السي بن عودة»، هو أنّك كنت دائما بعيدا عن مركز القرار أي في تخوم القيادة وأبدا في صميمها – سواء إبّان الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال في صفوف الجيش الوطني الشعبي –، لذلك لم يكن يَرِدُ إلى مسامعك سوى القليل جدّا من المعلومات الهامة التي كنت تستقيها قدر مستطاعك من هنا وهناك، ثمّ يحوّلها هذيانك إلى قصص تحبكها حسب ما يخدمك وتزرعها حسب أهوائك.
عندما عاد المتربّصون من موسكو حيث تلقّوا تكوينا في قيادة الأركان، تركتُ مكاني للمدير السابق للعتاد، الرائد محمد بوزادة، وهو من أقرباء العقيد شابو، بينما كان الأخير مصرّا على بقائي في هذا المنصب لأنّه لم تكن تربطه علاقة جيّدة مع قريبه الرائد محمد بوزادة، حدث هذا في بداية 1966، رفضتُ البقاء في هذا المنصب فوجدت نفسي مُعيًّنا لدى قيادة الأركان التي كان يترأّسها العقيد الطاهر زبيري. كما ترى، يا السي عمار، أنا أتحلّى بالأخلاق، ذلك أنّني عدتُ رُفقة ضبّاط آخرين من أمثال الرائدَيْن زرقيني وبوتلّة والنقيب سلمان والرائد عمار ملاّح مكوَّنين ومدرَّبين من أكاديمية «فرونزي» بموسكو، لم أمكث هناك سوى شهرين اثنين طلبتُ بعد ذاك إرسالي إلى الوحدات القتالية فتمّ تعييني قائدا للواء الثاني المحمول المرابض بعين الصفراء، والذي تمّ إرساله إلى مصر في 1968 للمشاركة في الحرب ضدّ إسرائيل. لا أخالك تجهل، يا «السي بن عودة»، أنّ لواءً كهذا، الذي كان الثاني إلى جانب اللواء الأوّل بسيدي بلعبّاس تحت قيادة العميد عبد القادر عبد اللاوي – رحمه الله – ثمّ الثالث تحت قيادة محمّد علاّق بتندوف الذي تمّ إنشاؤه فيما بعد، لا تُسلّم قيادتُه إلاّ لمن لديه القدرة على تحمّل هذه المسؤولية. أكرّر – لعلمك – بأنّ «السي بومدين» لم يكن ليكلّف قيادة لواء كان يُعتبر آنذاك القوّة الضاربة للجيش الوطني الشعبي لشخصي لو لم يكن يثق فيّ تمام الثقة. 
دعني أخبرك لماذا غادرت قيادة الأركان: لأنّني تيقّنت أنّ المقصود كان إحاطة السي الطاهر زبيري بنفس المكتب التقني الذي كان موجودا في زمن هواري بومدين في غار الدماء بتونس، السبب الثاني الذي جعلني أغادر هو كون كلّ شيء كان ينبئ بأزمة سياسية خطيرة، ولم أكن مخطئا بحيث انفجرت الأزمة فعلا في 14 ديسمبر 1967، أنا لم أكن أريد أبدا المشاركة في عصيان داخل الجيش، ذلك أنّني كنت أعتبر انسجام الجيش ووحدته أمرين أساسيين. للأسف، كان للرائد عمار ملاح طموح شخصيّ كان يغشي بصره عن المخاطر المنجرّة عن الخوض في مغامرة عسكرية، وكان قد أنشأ مصلحة عملياتيه اسمها مكتب العمليات والاستعلام العسكري للجيش، أي «برمة» بالفرنسية، وكانت هذه التسمية مطية للسخرية حتى قبل هزيمة جسر «بورومي» حيث كشفت الدبابات الموحَلة في كروم مزفران قدرات المدبّر الكبير لتلك العملية، ومع ذلك، فأنا أحيّي الإخوان والرفقاء الذين تمّ إقحامهم في تلك المغامرة.
بما أنّني عشت رغما عنّي وسط الذئاب، فلقد أصبحت استشعر دسائسهم في القاعدة الشرقية، حيث عملت لمدّة ثلاث سنوات متتالية والتي تتكلّم عنها من دون دراية حقيقية، ربّما كان المجاهدون فيها أفظاظا، لكنّهم كانوا أُسُودا أشاوس بينما تقلّدُ أنت مشية الضبع. مجاهدو تلك المنطقة يعرفون، يا السي عمار، بأنّني أنا الذي أقمت نصب سيدي سالم، تخليدا لاسم الضابط حيدوش ومحاربيه البررة. وقد حُوّل المكان الذي شّيد فيه هذا النصب التذكاري إلى مقبرة للشهداء. وأعلم كذلك أنّني أنا من أقمت مقام عين العسل عرفانا للشهداء الأبرار «حداد عبد النور» و»أحمد لصنابي» و»يزيد بن يزار» من الولاية الثانية وغيرهم، وأنا لا أذكر ها هنا سوى أهمّ المسؤولين، إذ أنّ عدد الشهداء ثلاثة عشر أو سبعة عشر شهيدا، هذه المنطقة جُبتها طولا وعرضا، من سيدي قاسم التي كان يسعك رؤيتها من المكان الذي كنت تلقي فيه محاضرتك إلى الفج قرب قرية الزيتونة، مرورا ببوعباد وغمد الزانة وكيفان بني فرج وأولاد بوبكر وفالكو وبوقلاز والبطاح وبونموسة والسبعة والمطروحة والفج، من دون أن ننسى حمام سيدي طراد، حيث كناّ نستحمّ عندما كان الظرف يسمح لنا بذلك. 
يقول بن عودة كذلك، «إنّني دفعت الشاذلي بن جديد إلى التخلّي عن السلطة، وأنّ الانتخابات التشريعية لعام 1991 كانت عادلة وشرعية». سؤالي لبن عودة هو: هل تلمّحون إلى وجود اتّفاق سرّي بين بَطَلِكُمْ والحزب المتطرّف «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (الفيس)، من أجل تقاسم السلطة؟
أنت لا تقرّ بهذا الأمر بشكل واضح. فاعلمْ أنّه على عكس بهتانك، فإنّ الشاذلي كان قرّر التنحّي بمحض إرادته قبل ذلك، بدليل أنّه كان اقترح على «عباسي مدني» تقديم تاريخ الانتخابات الرئاسية قبل إجراء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية. لم يكن الشاذلي بذلك قد قَبِلَ التنحّي من منصبه لمصلحة عباسي مدني فحسب، بل قَبِلَ الهزيمة في الانتخابات التشريعية أيضا، حيث لم يكن يعي أنّ عباسي مدني كان يخطّط لاستئناف الدور الثاني بعد تربّعه على العرش وكان الشاذلي، بالتالي سيجعل كلّ المسار الانتخابي – أي الانتخابات التشريعية والرئاسية معا – في خدمة الفيس. لم يكن الشاذلي بن جديد يبالي بما كان سيحدث للبلد والمهم بالنسبة إليه كان يَكْمُنُ في كيفية إنقاذ نفسه (كما يقول المثل الشعبي «الهربة تسلّك»). وهذا هو بالذات ما ذكره محامي الفيس، الأستاذ بشير مشري.
لهذه الأسباب كلّها، تساءلت ما سرّ كلّ هذا الحقد والضغينة من لدن شخص لا أعرفه ولا يعرفني وماذا تخفي هذه المناورات، ولم أجد لهذا السؤال سوى جواب واحد، ألا وهو مقطع ورد في كتابي يبدو أنّه أزعجه أيّما إزعاج، حيث كتبت حول أداء اليمين الدستوري للرئيس في 1999 في كتاب أصدرته في 2004 – زيادة على ما رويته في مذكّراتي – ما يلي:»كان بن عودة قد حافظ على احترام المناضلين له لأنه كان يُعَدّ من النخبة الأولى التي أيقظت الضمائر وأشعلت فتيل نوفمبر، أنا متأكّد من أنّه وفي اللحظة بالذات التي أذرف فيها الدموع، شعر الكثير من المحاربين القدامى في ثورة التحرير بأسف شديد، كان عمار بن عودة، مناضل 1945 والمحارب المغوار في الخمسينيات وشاعل الثورة يبكي بحرقة أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة».
لا أودّ أن أزيد على ما قلته، حتى لا أقضي على ما تبقّى لك من رصيد كسبته من انتمائك إلى فئة الشخصيات التاريخية التي لا تستحق أن يُساء إليها والتي أسأت إليها أنتَ، ولو أضفتُ على ما قلته لحدّ الآن لفتحت فصلا آخر في التاريخ، فصل فتحي ذيب، ذلك المصري الذي كنت دُمْيَتَهُ أنت وغيرك ممّن أساؤوا لثورة التحرير، ذلك هو التاريخ الذي تريد أن تخفيه حتى لا يُكشف الضرر الذي ألحقته بالثورة المجيدة. هذا هو السبب – والوحيد – الذي يدفعك إلى عدم الاعتراف بوجود تلك الرسالة التي سلّمتُها بيدي لبومدين، والتي وقّعتَها أنت بيدك، السي عمار، لقد سقطتَ من علٍ فلن أرُدّ عليك أبدا من الآن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المـلـــــف : مصالي الحاج ( المولد ، النشأة و الكفاح )

ملف الخونة : الباشاغا بوعلام.. من بطل فرنسي خلال الثورة إلى منبوذ بعد الاستقلال

تكريم الأستاذ دفوس عبد العزيز: لمسة وفاء لأهل العطاء.